للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم مرسل الصحابي]

وقد كان بعض الصحابة يرسلون الحديث، فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: يقولون: أكثر أبو هريرة، والله الموعد، كان إخواننا من المهاجرين ينشغلون بالصفقة -أي: بالتجارة- وكان إخواننا من الأنصار ينشغلون بالزرع، وكنت أصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم على شبع بطني.

ويتصور الإرسال في صغار الصحابة كـ ابن عباس وابن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص، وقد أرسلت عائشة نفسها حديث بداية الوحي؛ لأنها لم تكن قد ولدت في ذلك الوقت، فقد جاء في الحديث المتفق عليه بين البخاري ومسلم عن عائشة قالت: تزوجني الرسول صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين.

وقد تزوجها وهو في المدينة بعد الهجرة، وكان قد مكث في مكة ثلاث عشرة سنة، إذاً عائشة رضي الله عنها وأرضاها قد أرسلت هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأيضاً ابن عباس أرسل حديث: (لا ربا إلا في النسيئة) فإنه لما روجع فيه قال: سمعته من أسامة بن زيد، فأرسله عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد وردت أقوال عن أهل العلم في حكم مرسل الصحابي.

القول الأول: قالوا: يقبل مطلقاً.

القول الثاني: قالوا: هو وباقي المراسيل سواء.

القول الثالث: التفصيل: فإن كان ممن يأخذ عن التابعين، فمرسله لا يكون حجة حتى في الغيبيات، وهذا كـ ابن عباس فإنه كان يأخذ عن كعب الأحبار، وكـ عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كان يأخذ عن كثير من التابعين، وأما غيره فيكون حجة.

والراجح الصحيح في ذلك قولاً قاطعاً: أن مرسل الصحابي صحيح، وهو حجة؛ لأنهم كلهم عدول، وقد عدلهم الله من فوق سبع سماوات، وعدلهم رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يحتاجون إلى التعديل، فمرسل الصحابي حجة بلا نزاع.

ونرد على من قال: إن مرسل الصحابي كباقي المراسيل بأن نقول: لا والله لا يستويان مثلاً ولا يشتركان في الفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم)، فهم من أهل الخيرية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً لعظمة مكانتهم: (النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعد)، وفي رواية في السنن بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يغزو فئام من الناس فيقال لهم: أفيكم من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم.

-بلا قتال ولا شيء بل ببركة الصحبة مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- ثم يغزو فئام من الناس، -وهذا أيضاً في الفضل- فيقال لهم: أفيكم من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم)، وقال كذلك في الثالثة.

فهذا فيه دلالة على فضل الصحابة على غيرهم، فإنهم لا يستوون مع غيرهم، فقد جاء تعديلهم من فوق سبع سماوات، وعلى لسان النبي صلى الله عليه وسلم، فالصحابة كلهم عدول.

وأما قول القائل الذي قال: إنهم يأخذون عن التابعين، فهذا من الندرة بمكان، ولم يكن ابن عباس ولا عبد الله بن عمرو بن العاص يأخذون عنهم رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ الصحابة متوافرون، فكانوا يأخذون عنهم، ولم يكونوا ينزلون في السند، وعندهم العلو، إذ النزول مذموم إذا وجد العلو.

هذا هو الصحيح الراجح في ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>