للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أحاديث المدلسين المعنعنة في الصحيحين]

جاءت روايات مدلسين في الصحيحين بالعنعنة، فكثير من أهل العلم يرون أن رواية المدلس في الصحيحين مقبولة، سواء كان يدلس عن ضعفاء أو غير ضعفاء، إحساناً للظن بالصحيحين، فمثلاً: أبو الزبير يدلس عن جابر، وإذا عنعن عن جابر لا يقبل حديثه؛ لأن أبا الزبير يدلس عن ضعفاء، لكن روى له مسلم بالعنعنة، فقالوا: مسلم رجل نقاد، وليس بحافظ فقط، فهو ينتقي من أحاديث أبي الزبير ما سمعها من جابر، فكأنه يقول: هذه الرواية جاءت من طريق آخر صرح أبو الزبير بالتحديث عن جابر، فهذا اعتذار لـ مسلم حيث قد روى في صحيحه كثيراً من أحاديث أبي الزبير عن جابر.

وبعض العلماء يرون أن الصحيحين كغيرهما، فلا نقبل عنعنة المدلس إلا إذا صرح بالتحديث، وبعض رواة الصحيحين من المدلسين تقبل روايتهم بالعنعنة لقرائن، فمثلاً الليث لا يحدث عن أبي الزبير عن جابر إلا بما سمعه أبو الزبير من جابر؛ لأنه طلب منه أن يميز له ما سمعه منه مما لم يسمعه منه.

فرواية الليث عن أبي الزبير عن جابر تقبل سواء في الصحيحين أو في غير الصحيحين؛ لأن الليث قد كفانا تدليس أبي الزبير عن جابر.

وقال شعبة كفيتكم تدليس ثلاثة: قتادة، وأبي إسحاق، والأعمش.

فإن وجدنا قتادة يروي عنه شعبة فلا ننظر في عنعنته سواء في الصحيحين أو في غير الصحيحين.

والصحيح أن الصحيحين كغيرهما، لكن ليس لأي إنسان أن يدخل في هذا الباب ويرد أحاديث بالعنعنة في الصحيحين، إلا أن ينظر في أقوال المتقدمين الذين استدركوا على البخاري بعض الأحاديث، واستدركوا على مسلم بعض الأحاديث، مثل الدارقطني والحافظ ابن حجر والإمام النووي، فقد كانوا يعتذرون لـ مسلم في بعض الأحايين، ويقرون الدارقطني في بعض الأحايين.

فرد أحاديث في الصحيحين بسبب عنعنة المدلس لا تكون إلا من المتقدمين لا من المتأخرين؛ لأن المتقدم هو الذي عاصر الرواية، وهو الذي عنده الملكة والدربة التي يمكن أن يقطع بضعف حديث موجود في الصحيحين، وهذه الروايات التي أخذت على مسلم بسبب تدليس الإسناد أو أخذت على البخاري بسبب تدليس الإسناد قليلة جداً.

<<  <  ج: ص:  >  >>