للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وترتبط به المصلحة.

ثالثها: أن أبا مسلم على فرض أن خلافه مع الجمهور لفظي، لا يعدو حدود التسمية؛ فإنه يؤخذ عليه أنه أساء الأدب مع الله في تحمسه لرأي قائم على تحاشي لفظ اختاره- جلت حكمته- ودافع عن معناه بمثل قوله: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها [سورة البقرة آية: ١٠٦]، وهل بعد اختيار الله اختيار؟ وهل بعد تعبير القرآن تعبير؟

سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [سورة البقرة آية: ٣٢].

رابعها: أن هناك فروقا بين النسخ والتخصيص، وقد فصلناها فيما سبق.

[طرق معرفة النسخ]

لا بد في تحقق النسخ- كما علمت- من ورود دليلين عن الشارع، وهما متعارضان تعارضا حقيقيّا، لا سبيل إلى تلافيه بإمكان الجمع بينهما على أي وجه من وجوه التأويل.

وحينئذ فلا مناص من أن نعتبر أحدهما ناسخا والآخر منسوخا، دفعا للتناقض في كلام الشارع الحكيم، ولكن أي الدليلين يتعين أن يكون ناسخا، وأيهما يتعين أن يكون منسوخا؟ هذا ما لا يجوز الحكم فيه بالهوى والشهوة، بل لا بد من دليل صحيح يقوم على أن أحدهما متأخر عن الآخر، فيكون السابق هو المنسوخ، واللاحق هو الناسخ.

ولنا إلى هذا الدليل مسالك ثلاثة:

أولها: أن يكون في أحد النصين ما يدل على تعين المتأخر منهما نحو قوله تعالى:

أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ [سورة المجادلة آية: ١٣].

ونحو قوله: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [سورة الأنفال آية: ٦٦].

ونحو قوله صلّى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ولا تقولوا هجرا».

ثانيها: أن ينعقد إجماع من الأمة في أي عصر من عصورها على تعيين المتقدم من النصين والمتأخر منهما.

ثالثها: أن يرد من طريق صحيحة عن أحد من الصحابة ما يفيد تعيين أحد النصين المتعارضين للسبق على الآخر أو التراخي عنه، كأن يقول: نزلت هذه الآية بعد تلك الآية، أو نزلت هذه الآية قبل تلك الآية، أو يقول: نزلت هذه عام كذا، وكان معروفا سبق نزول الآية التي تعارضها، أو كان معروفا تأخرها عنها.

<<  <   >  >>