للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها: ما يعرف بالتاريخ.

ومنها: ما يعرف بالإجماع، كقتل شارب الخمر في المرة الرابعة؛ فإنه منسوخ عرف نسخه بالإجماع. والإجماع لا ينسخ ولا ينسخ لكن يدل على وجود ناسخ.

وأما إذا تعارض حديثان في الظاهر؛ فلا بد من الجمع بينهما أو ترجيح أحدهما، وإنما يقوم بذلك غالبا الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه، والأصوليون المتمكنون في ذلك، الغائصون على المعاني الدقيقة، الرائضون أنفسهم في ذلك، فمن كان بهذه الصفة؛ لم يشكل عليه شيء من ذلك، إلا النادر في بعض الأحيان. ثم المختلف قسمان:

أحدهما: يمكن الجمع بينهما فيتعين، ويجب العمل بالحديثين جميعا، ومهما أمكن حمل كلام الشارع على وجه يكون أعم للفائدة، تعين المصير إليه، ولا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع؛ لأن في النسخ إخراج أحد الحديثين عن كونه مما يعمل به.

ومثال الجمع: «لا عدوى» مع حديث: «لا يورد ممرض على مصحّ» وجه الجمع: أن الأمراض لا تتعدى بطبعها، ولكن جعل الله سبحانه وتعالى مخالطتها سببا للإعداء، فنفى في الحديث الأول ما يعتقده الجاهلية من العدوى بطبعها، وأرشد في الثاني إلى مجانبة ما يحصل عنده الضرر عادة بقضاء الله وقدره وفعله.

القسم الثاني: أن يتضادا بحيث لا يمكن الجمع بوجه، فإن علمنا أحدهما ناسخا قدمناه وإلا عملنا بالراجح منهما، كالترجيح بكثرة الرواة وصفاتهم وسائر وجوه الترجيح، وهي نحو خمسين وجها، جمعها الحافظ أبو بكر الحازمي في أول كتابه «الناسخ والمنسوخ».

معرفة صفة من تقبل روايته ومن تردّ روايته

أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلا ضابطا لما يرويه، وتفصيله أن يكون مسلما، بالغا، عاقلا، سالما من أسباب الفسق وخوارم المروءة، متيقظا غير مغفل، حافظا إن حدث من حفظه، ضابطا لكتابه إن حدث من كتابه، وإن كان يحدث بالمعنى اشترط فيه مع ذلك أن يكون عالما بما يغير المعاني، وقد سبق الكلام في شروط قبول رواية الراوي بما لا مزيد عليه، ولكن توجد أمور لا بد من الكلام فيها لتكتمل الصورة، وهي ما نبينه فيما يأتي:

<<  <   >  >>