للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن تيمية: قولهم: نزلت هذه الآية في كذا يراد به تارة سبب النزول ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية وإن لم يكن السبب كما تقول: عنى بهذه الآية كذا.

وقد تنازع العلماء في قول الصحابي: نزلت هذه الآية في كذا، هل يجري مجرى المسند كما لو ذكر السبب الذي أنزلت لأجله، أو يجري مجرى التفسير منه الذي ليس بمسند، فالبخاري يدخله في المسند، وغيره لا يدخله فيه، وأكثر المسانيد على هذا الاصطلاح كمسند أحمد وغيره بخلاف ما إذا ذكر سببا نزلت عقبه فإنهم كلهم يدخلون مثل هذا في المسند. اه.

وقال الزركشي في البرهان: قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال:

نزلت هذه الآية في كذا فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم، لا أن هذا كان السبب في نزولها فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية، لا من جنس النقل لما وقع.

[تنبيه:]

ما تقدم أنه من قبيل المسند من الصحابي إذا وقع من تابعي فهو مرفوع أيضا، لكنه مرسل، فقد يقبل إذا صح المسند إليه وكان من أئمة التفسير الآخذين عن الصحابة كمجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير، أو اعتضد بمرسل آخر ونحو ذلك.

المسألة الرابعة: [في أسباب نزول الآية]

كثيرا ما يذكر المفسرون لنزول الآية أسبابا متعددة، وطريق الاعتماد في ذلك أن ينظر إلى العبارة الواقعة.

١ - فإن عبّر أحدهم بقوله: نزلت في كذا، والآخر: نزلت في كذا وذكر أمرا آخر فقد تقدم أن هذا يراد به التفسير لا ذكر سبب النزول. فلا منافاة بين قوليهما إذا كان اللفظ يتناولهما.

٢ - وإن عبّر واحد بقوله: نزلت في كذا وصرح الآخر بذكر سبب خلافه فهو المعتمد وذاك استنباط. مثاله: ما أخرجه البخاري عن ابن عمر قال: أنزلت:

نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ في إتيان النساء في أدبارهن. وتقدم عن جابر ذكر سبب خلافه فالمعتمد حديث جابر؛ لأنه نقل، وقول ابن عمر استنباط منه، وقد وهّمه فيه ابن عباس، وذكر مثل حديث جابر، كما أخرجه أبو داود والحاكم.

٣ - وإن ذكر واحد سببا وآخر سببا غيره، فإن كان إسناد أحدهما صحيحا دون الآخر فالصحيح هو المعتمد. مثاله: ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن جندب. اشتكى النبي صلّى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين فأتته امرأة فقالت: يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك فأنزل الله:

<<  <   >  >>