للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خلاف التضاد]

القسم الثاني: خلاف التضاد: وهذا لا بد أن يكون فيه الإنكار، وهو الذي لا ينجم عن أدلة، بل يكون مضاداً لقول معه دليل من الكتاب أو من السنة، لكن صاحبه قال به إما تعصباً للمذهب أو تعصباً لشيخ أو تعصباً لإمام.

والفاصل في ذلك هو ما عبر عنه بعض العلماء بقولهم: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وقول كل سفيه ومثال هذا الخلاف: الخلاف في مسألة الرمي قبل الزوال: والرمي قبل الزوال ليس عليه دليل من كتاب ولا من سنة وانفرد بالقول به عطاء، أما الأدلة بأسرها فهي تثبت أن السنة هي الرمي بعد الزوال، ولا أدري عن الذين أفتوا بهذه الفتوى من أين أتوا بالأدلة التي تعضد قولهم في ذلك.

وإن كانوا قد قالوا: إن مقاصد الشريعة توجب القول به؛ حتى لا يموت الناس، قلنا: والله لو أفتيتم بأنه يجوز امتداد وقت الرمي إلى الفجر أو إلى غروب الشمس لقلنا بأنه يمكن أن يكون القول به أوفر حظاً وأقرب إلى الأدلة والآثار من هذه الفتوى التي لا دليل عليها, فإن ابن عمر قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحين الزوال حتى يرمي الجمرة)، ورسول الله كان كما وصفت عائشة: (ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً).

بعد هذا هل يكون الأيسر على الناس أن يمشوا بعد الفجر فيرمون ويعجلون دون أن يجلسوا في منى ويحدث الرخام الشديد، أو أن ينتظر الناس بعد زوال الشمس فيرمون؟

الجواب

أن الأيسر في نظرنا أن يكون بعد الفجر قبل الزوال، وسبق أن الرسول يختار الأيسر مراعاة لروح الشريعة ومقاصدها، فما جعل الله حرجاً في الدين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يسروا ولا تعسروا) وهو قد اختار الأيسر لنا، فهو أرحم الأمة بالأمة، لكن نقول: إنه وإن كان التيسير عندنا الرمي قبل الزوال، لكن الرسول يعلم أن الناس سيأتسون بفعله، فهو الذي يقول: (خذوا عني مناسككم)، فلما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الرمي قبل الزوال وفعله بعد الزوال أدركنا أن ذلك هو الأيسر.

والمراد من هذا أن خلاف التضاد لا يمكن القبول بالقول الثاني الذي لا دليل عليه، ولا بد من رده وإنكاره؛ لأنه مصادم لصريح قول النبي صلى الله عليه وسلم وصريح فعله، أما قوله فإنه قال: (خذوا عني مناسككم)، والأمر يدل على الوجوب، وأما فعله: فإن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بعد الزوال، فخلاف هذا القول هو خلاف تضاد، لا بد فيه من الإنكار.

وبهذا التقسيم حصرنا قاعدة (الخروج من الخلاف مستحب) وأن ذلك يكون في خلاف التنوع لا في خلاف التضاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>