للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفروع التي تتعلق بقاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور]

والفروع التي تتعلق بهذه القاعدة كثيرة، منها ما يلي: رجل كان في بيته ودخل عليه السارق فسرق ما عنده من ملابس وفرش، وكان صاحب البيت في الحمام يغتسل فخرج عارياً، وأراد الصلاة وخشي ضياع الوقت، وبحث في البيت بأسره فما وجد إلا رداءً يستطيع أن يغطي به كتفيه ونصف البدن من فوق السرة، ويترك باقي الأعضاء ظاهرة حتى العورة، ومن المعسور أن يغطي كل البدن، ومن الميسور أن يغطي الكتفين أو السوأتين، فإن غطى الكتفين فالسوأتان ظاهرتان، وإن غطى السوأتين فالكتفان والبدن بأسره غير مغطى.

فالأولى أن يغطي السوأتين؛ لأن الميسور لا يسقط بالمعسور.

أيضاً من الفروع لهذه القاعدة: رجل من أوروبا أسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله -نسأل الله أن يدخل جميع الغرب في الإسلام رحمة بهم من النار- فبعد أن نطق بالشهادتين فإنه يجب علينا أن نبين له فرائض الإسلام، ولا بد أن يتقبلها.

وأول أركان الإسلام وفرائضه الصلاة، فنعلمه كيفية الصلاة بأركانها وشروطها، ومن ذلك قراءة الفاتحة فيها، وأن البسملة آية منها.

فلو حفظ نصفها فقط وما استطاع أن يحفظ النصف الآخر أو يتقنه، فإن صلاته تصح ولو لم يكمل قراءة الفاتحة؛ لأن الميسور لا يسقط بالمعسور، قال الله جل في علاه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:٧]، وقال أيضاً: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦].

ولو أن رجلاً يستطيع القيام في الصلاة، أما الركوع والسجود فلا يستطيعهما، فالميسور لا يسقط بالمعسور، فيجب عليه أن يكبر تكبيرة الإحرام ويقرأ الفاتحة قائماً، وعند الركوع والسجود يومئ، ويكون إيماؤه للسجود أخفض من إيمائه للركوع، ففي ذلك تيسير الله على العباد، فالميسور لا يسقط بالمعسور.

أيضاً: رجل شج في رأسه، ثم أصبح جنباً إما بالجماع أو بالاحتلام، وأراد أن يصلي صلاة الفجر، فلو اغتسل لرفع الحدث الأكبر فإن الماء سيضره وقد يؤدي به إلى الوفاة، فإن أعضاء الغسل كلها تنزل منزلة العضو الواحد، ويعسر عليه أن يمر الماء على رأسه فقط وما عدا ذلك فميسور له، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، فيجب عليه أن يمر الماء على كل الجسد، ويأتي على رأسه فيتيمم؛ لأنه بالنسبة للرأس غير واجد للماء؛ لأن الماء لا بد أن يوجد حقيقة وحكماً، وهو غير موجود حكماً؛ لأنه لا يستطيع استعمال الماء؛ فلو استعمله فقد يضيق على نفسه أو يقتل.

والحديث فيه ضعف وإن صححه بعض العلماء، وهو أن رجلاً كان في رأسه شجةً فاحلتم، ثم سأل بعض الصحابة عن ذلك فقالوا له: ما نرى لك إلا الاغتسال لأنك واجد للماء، فلما اغتسل مات شهيداً بسبب هذه الفتوى التي جانبت الصواب.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في ذم الجهل (اتخذ الناس رءوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).

فاستحق هؤلاء الصحابة الذين أفتوا الرجل بذلك أن دعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم فقال: (قتلوه قاتلهم الله، هلا سألوا إذا لم يعلموا، إنما شفاء العي السؤال)، فالغرض المقصود في هذه المسألة هو أن الميسور لا يسقط بالمعسور.

كذلك صاحب الجبيرة إذا كانت في إحدى يديه، وعليه فإنه يتوضأ فيغسل وجهه ويده السلمية، أما التي فيها الجبيرة فإنه يمسح عليها ويغسل الباقي، وإن لم يغسله لا يجزئه؛ لأن الميسور لا يسقط بالمعسور.

<<  <  ج: ص:  >  >>