للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صور تطبيق هذه القاعدة]

رجل طاف بالبيت، فلما طاف كانت بجانبه زوجته، والنساء ناقصات عقل ودين، فكلمته فكلمها، فوقف أمام الحجر ورفع وكبَّر، ثم شك فقال: سبحان الله أهذا الشوط الخامس أم السادس؟ فقالت له زوجته: لا والله، بل السادس فزعزعت اليقين في قلبه.

فاليقين هو الأقل وهو خمسة أشواط، والتردد أو الشك الطارئ: هو ستة أو خمسة، فعليه أن يطرح الشك ويبني على اليقين، واليقين هو الأقل، فاليقين لا يزول بالشك.

وهناك صورة أخرى: وهي أنه ذهب رجل إلى مكة ليعتمر، ولم يذهب إلى مكة من قبل، فنظر إلى الكعبة وعظمتها فبكى بكاءً شديداً، فابتلت لحيته وثيابه، وجلس ساعة يبكي حتى أذن المؤذن، ودخل الشيخ في الصلاة فصلى مع الشيخ، وجلس يبكي بعد الصلاة وقراءة القرآن، ثم قال لامرأته: قومي لنتعبد لله بالطواف، فقالت: يا رجل هل نسيت؟ قد طفنا هذا الطواف، فعلينا أن نسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، فقال: يا امرأة ما طفنا، فقالت: بل طفتَ وطفت معك.

فالتقعيد على ذلك: أن اليقين: أنه ما طاف، والشك الذي حدث شك طارئ وهو طوافه وعدم طوافه، فلا بد أن يبني على اليقين وهو أنه لم يطف، فيطوف طواف العمرة ثم يسعى بين الصفا والمروة.

ومن هذه الصور: رجل له عند أخٍ ألف درهم، ومضت مدة فجاءه فقال له: أين الألف درهم؟ قال: وفيتك، فقال له: لم توفني ولم تعطني شيئاً، فوقع النزاع والخصام، فلا بد من الرجوع إلى الكتاب والسنة وإلى أهل العلم، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:٤٣]، فالقاعدة التي نطبقها على هذا النزاع: أن اليقين لا يزول بالشك، واليقين: هو عدم استقرار الدين وعدم ثبوته في ذمة المدين، والشك الطارئ: استقرار الدين، إذاً: فالشك الطارئ لا يزيل اليقين فليس لهذا الرجل عنده مال.

وصورة أخرى: رجل دخل على امرأته، فتهيأت له وأراد أن يعمل بالسنة: (في بضع أحدكم صدقه)، فما اقترب منها تذكر الشجار الذي كان بالأمس بينه وبينها، فطلقها، وكانت طلقة ثالثة، ثم شك هل هو طلقها أم لم يطلقها؟ فلا يدري هل يقترب منها أم لا يقترب؟ فالقاعدة التي نطبقها على هذا الإشكال: اليقين لا يزول بالشك، واليقين: أنها زوجته، فهذا يقين مستقر، والشك الطارئ: أنه طلق أم لم يطلق، فعليه أن يطرح الشك جانباً، وأن يقترب منها ويجامعها، لكن ابن قدامة قال: الأورع: أن يحسب الطلاق؛ لأن الأصل في الخروج: الحرمة، وهذا لا يصح بحال من الأحول؛ لأن الأصل في الخروج: الحرمة قبل النكاح، أما بعد النكاح فالعصمة موجودة.

وصلَّ اللهم وسلِّم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>