للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعريف القاعدة الفقهية لغةً واصطلاحاً

سنأخذ اليوم الجانب الثالث الذي يقوي الفقيه حتى نستبشر بخروج الفقهاء ألا وهو القواعد الفقهية، فسنبين ما معنى القاعدة الفقهية لغة واصطلاحاً، ثم الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية، ثم بعد ذلك الفرق بين القاعدة وبين الضابط.

فأقول: دائماً يتقوى المرء في هذه القواعد، فما من فقيه تراه يستدل إلا ويقول: والقاعدة عند العلماء: اليقين لا يزال بالشك، القاعدة عند العلماء: الضرورات تبيح المحظورات، ما من مفت يستطيع أن يفتي إلا ومعه هذه الآلة، فما هي القاعدة في اللغة: هي الأساس التي يبنى عليها غيرها، يعني: هي التي يبني عليها الفقيه الفروع، فالقاعدة في اللغة هي: الأساس أو الأصل أو هي أساطين أو أعمدة البناء، قال الله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} [البقرة:١٢٧].

أما في الاصطلاح فإن لها تعاريف كثيرة، لكن أجمع هذه التعاريف تعريفان: التعريف الأول الذي وصل إليه الجرجاني حيث قال: هي قضية كلية تنطبق على جميع جزئياتها.

مثال على ذلك كما قال علماؤنا: اليقين لا يزال بالشك، فهذه قضية كلية تنطبق على جميع الجزئيات.

وعندنا في الفقه عدة أبواب، فالفقهاء قسموا أبوب العلم إلى عبادات ومعاملات وحدود، فما من كتاب من كتب الفقه إلا ويبدأ بالعبادات فيبدأ بالطهارة ثم الصلاة ثم الزكاة، إلا في الموطأ فهو يرى غير هذا الترتيب، فقد بدأ بكتاب أوقات الصلوات ثم الطهارة ثم الصلاة ثم الزكاة.

إذاً: القاعدة الفقهية هي قضية كلية تنطبق على كل الجزئيات، فالقاعدة الفقهية تدخل في العبادات وتدخل في المعاملات في العقود، وتدخل في الحدود.

فقاعدة: اليقين لا يزال بالشك، تدخل في الطهارة، مثال ذلك: رجل توضأ لصلاة الظهر، ثم ذهب إلى المسجد فصلى الظهر ثم خرج، فهذا حكمه في الوضوء أنه على يقين من الطهارة، ثم ذهب إلى أعماله فسمع المؤذن ينادي لصلاة العصر وذهب مسرعاً إلى المسجد، فبعدما أن صلى تحية المسجد، جلس وقرأ القرآن، أقام المؤذن الصلاة فقام ليصلي، وبما أن عندنا عدواً لدوداً وهو الشيطان، فلا يريد أن تتم العبادة بحال من الأحوال، فبدأ يوسوس له ويقول: كيف تصلي بغير وضوء، فقد خرجت منك ريح! فقام الرجل يتحدث في نفسه ويقول: أخرجت ريحاً؟! لا ما أخرجت ريحاً! شممت رائحة؟! لا ما شممت رائحة! وهذا يسمى شكاً.

إذاً: هو في صلاة الظهر كان على يقين، وفي صلاة العصر في شك، نأتي إلى القاعدة الكلية: وهي اليقين لا يزال بالشك، فهو قد توضأ في الظهر وصلى وكانت الطهارة على يقين، وإنما جاءه التردد في صلاة العصر، فهذا يسمى شكاً، والقاعدة عند العلماء: اليقين لا يزال بالشك، فعليه أن يمضي في صلاته.

نأتي بمثال في الصلاة: صلى الرجل إماماً صلاة العشاء، وصلاة العشاء أربع ركعات، فصلى ثلاث ركعات، وهو في الرابعة جاءه الشيطان فقال له: هذه الثالثة، وهو يقول: هذه الرابعة، والشيطان يقول: هذه الثالثة، فشك الرجل فلما شك وقف، والإمام لا بد أن يكون فقيهاً، إذاً: فهذا الذي هو فيه تردد وشك، فعند العلماء قاعدة تسمى: اليقين لا يزول بالشك، فينبغي أن يقول الإمام: أنا قد استيقنت في الثالثة أما في الرابعة فقد جاءني الوهم، فأطبق القاعدة: وهي اليقين لا يزال بالشك؛ وذلك بأن أجعل تلك الركعة هي الثالثة، حتى ولو كانت الرابعة، فأصلي الرابعة ويسجد سجود السهو.

إذاً: دخلت في هذه القاعدة جزئية ثانية، وهي تنطبق على كل الجزئيات، فتنطبق في الصلاة وتنطبق أيضاً في المعاملات، مثال ذلك في المعاملات: لو جلس رجل في مجلس البيع، وباع بيعاً مثلاً: جاء المشتري فقال: أنا اشتريت منك هذه السلعة بعشرين، فقال البائع: لا، ما بعتها إلا بخمس وعشرين، فنقول هنا: وقع الشك، فكيف نطبق قاعدة: اليقين لا يزال بالشك؟! فنقول: إذا دخل الشك بينهما فإن القول قول البائع؛ لأن اليقين مع البائع.

أيضاً مثال ذلك في الحدود: لو جاء رجل وشهد على رجل فقال: أنا رأيته يسرق، وقال المشهود عليه: لم أسرق، نقول: الأصل هي براءة الذمة.

وهنا قاعدة أخرى لكنها تدخل تحت قاعدة: اليقين لا يزال بالشك؛ لأنها كلها فروعات تتعلق بها، واليقين في المسلم العدل التقي الذي يصلي، أنه عدل، وأنه لا يسرق ولا يزني، فلو جاء مشككاً يشكك في عدالته، فنقول: اليقين أنه عدل، وهذا الشك لا يمكن أن يزيل اليقين.

فإذاً: هذه القاعدة تمر على كل جزئيات الفقه.

فهذا تعريف الجرجاني.

أما المحققون فقالوا في تعريف القاعدة الفقهية: إنها حكم أغلبي أكثري لا كلي، وهي منطبقة على أكثر الفرعيات أو أكثر الجزئيات، وهذا التعريف الثاني هو الصحيح والراجح.

<<  <  ج: ص:  >  >>