للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[دلالة اقتران الأمر بالواجبات لا يدل على الوجوب على القول الراجح]

وهناك أمر لابد أن نشير إليه، وهو: دلالة الاقتران، أي: إذا اقترن الأمر الذي يدل على الوجوب بغيره، فهل دلالة الاقتران يدل على أن كل معطوف على الواجبات واجبات أم لا؟ هذه دلالة يستدل بها بعض الشافعية، أي: اقتران الأمر بالواجبات يدل على الوجوب، والصحيح الراجح: أن اقتران الأمر بالواجبات لا يدل على الوجوب، وهذا قول المحققين من أهل الأصول، لأن دلالة الاقتران دلالة ضعيفة، وتوضيح ذلك في قول الله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:١٤١]، فقوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَر} [الأنعام:١٤١]، هذا أمر يدل على الإباحة، وقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:١٤١]، أمر يدل على الوجوب؛ لأن الزكاة واجبة وفرض عين على كل امرئ معه مال بلغ النصاب وحال عليه الحول، فقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:١٤١] أي: فيما سقت السماء العشر إن كان بلغ خمسة أوسق، هذا بالنسبة للزرع، قال الله في الزرع: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:١٤١]، وقال أولاً: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَر} [الأنعام:١٤١]، هذا الأمر الأول، والأمر الثاني: ((وَآتُوا))، فالأمر الثاني واجب على الوجوب؛ لأنه زكاة، والأمر الأول على الإباحة، فيدل ذلك على أن دلالة الاقتران لا تدل على أن المعطوفات على الواجبات واجبات.

ودليل ذلك من السنة أيضاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يكون معه سواك، وأن يمس من طيب أهله)، وغسل الجمعة كما بينا فقهياً أنه على خلاف بين أهل العلم، فقد من يقول بالوجوب سيقول: غسل الجمعة واجب على كل محتلم، فهو واجب وعطفنا عليه مس الطيب، ومس الطيب مستحب، والسواك كذلك مستحب، فاقترن مس الطيب واقترن السواك بغسل يوم الجمعة، وغسل يوم الجمعة واجب عند من يقول بوجوب غسل يوم الجمعة، ومس الطيب والسواك على الاستحباب، هذا يدل دلالة واضحة على أن دلالة الاقتران ضعيفة.

ومن الأمثلة على دلالة الاقتران: (أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم ألا ننزع خفافنا من بول أو غائط أو نوم إلا من جنابة)، إذاً: قرن البول والغائط بالنوم، فاستدل به من يقول: بأن النوم على الإطلاق ناقض للوضوء، بدلالة اقترانه ببول وغائط، والبول ينقض الوضوء، والغائط ينقض الوضوء، والنوم مقترن بما ينقض، فدلالة الاقتران هنا: أن النوم ناقض، وهذا عند من يقول: بأن النوم على الإطلاق ينقض، والصحيح الراجح: أن النوم على الإطلاق لا ينقض كما فصلناه فقهياً، إما انفراداً أو جماعات.

فالنوم فيه أقوال كثيرة لأهل العلم، ففي قوله: النوم بالإطلاق ينقض، والنوم بإطلاق لا ينقض، ثم التفصيل، والصحيح: هذا التفريق الذي فرقه الشافعية، وهو: أنه إذا نام وهو ممكن مقعدته لا ينتقض وضوؤه؛ لحديث أنس في الصحيح: (كان صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم تخفق رءوسهم من النوم فيخرج عليهم في العشاء الآخرة فيصلون ولا يتوضئون).

وإن أشكل ابن عبد البر على ذلك بأن رجلاً كان جالساً ممكن المقعدة، وبجانبه آخر فأخرج ريحاً، فقال له: إني أسمع منك هذا الريح، قال: لم أخرج ريحاً، فيقول: هو لا يستشعر، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (العين وكاء السه)، أي: لابد أن يتوضأ، لكن الصحيح الراجح: لحديث أنس أن هذا فصل في النزاع: (كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون فتخفق رءوسهم من النوم فيخرج عليهم في العشاء الآخرة، فيصلون ولا يتوضئون)، فخفض الرأس هذا لا يكون إلا من الجلوس، ففيها تمكين المقعدة، وهذا هو الراجح.

<<  <  ج: ص:  >  >>