للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تعريف القرآن الكريم]

القرآن: هو: كلام الله المعجز، المتعبد بتلاوته، المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، المنقول إلينا بالتواتر.

قوله: (كلام الله) الله جل وعلا تكلم به بصوت وحرف وسمعه جبريل الرسول الملكي من الله جل وعلا، ثم نزل به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكان جبريل إذا تلا القرآن على رسول الله أسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيردد ما قاله جبريل، خشية النسيان، فنهاه الله عن ذلك فقال: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة:١٦ - ١٨]، فكان جبريل يسمعه من الله عز وجل، وينزل به على محمد صلى الله عليه وسلم، فهو كلام الله، وهذا فيه رد رد على المعتزلة، وفي الظاهر أيضاً رد على الأشاعرة، وإن كان الأشاعرة يقولون: هو كلام الله، لكن الأشاعرة قولهم في القرآن أخبث من قول المعتزلة، فالمعتزلة يقولون: كلام الله مخلوق، ونحن نقول: لا، كلام الله صفة من صفاته، تكلم الله بالقرآن بصوت مسموع وحرف.

قوله: (المعجز) أي: الذي أعجز البشر أن يأتوا بمثله، أي: نزل هذا القرآن على البلغاء منهم، فقد كانوا أفصح الناس وأبلغهم، حتى إن شاعرهم جلس من طلوع الشمس ينثر شعراً إلى غروب الشمس، وكان عنده ضعف في نطقه بالراء، فإذا تكلم ونطق بحرف الراء فالناس سيستنكرون منه هذا الحرف، فأتى بأكثر من مائة وعشرين بيتاً من الشعر ليس فيه حرف الراء من الفصاحة والبلاغة، كانوا بلغاء وفصحاء، ومع ذلك لم يأتوا بمثل هذا القرآن.

قال الله تعالى معجزاً إياهم: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:٨٨].

وأيضاً الله جل وعلا أعجزهم أيما إعجاز فقال: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} [الطور:٣٤] ثم أعجزهم بعشر سور من مثله، ثم أعجزهم بسورة فقال: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة:٢٣]، ولم يستطيعوا أن يأتوا بحرف واحد، مع أن الله أعجزهم أكثر بالحروف المقطعة، وكأنه يقول لهم: هذا القرآن من هذه الحروف التي تتكلمون بها، فالمعجز: هو الذي أعجز البشر على أن يأتوا بمثله، ولذلك كان هذا رداً على طه حسين وأمثاله من الزنادقة الذين يلمحون بأن القرآن من كلام محمد أو من الشعر الجاهلي والعياذ بالله! وهذا كفر مبين.

فالله جل وعلا يبين أن هذا الكلام هو كلامه، وقد أعجز البشر على أن يأتوا بمثله، فهو كلام الله المعجز.

قوله: (المتعبد بتلاوته) هذا قيد ليخرج به الحديث القدسي؛ لأنه أقرب إلى القرآن، فالقرآن لفظاً ومعنىً من الله جل وعلا، والحديث القدسي معناه من الله ولفظه من النبي صلى الله عليه وسلم.

ويمكن أن نقول: الحديث القدسي عام في اللفظ والمعنى، لكن أكثر المعنى موكول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخرج بالمتعبد بتلاوته: الحديث القدسي، ومعنى: المتعبد بتلاوته: أن الإنسان لابد أن يأتي بنفس الألفاظ، فمثلاً: الفاتحة لا يمكن لأحد أن يصلي بالفاتحة بمعناها دون لفظها، لابد من نفس اللفظ، لأنه لفظ توقيفي، كما يوجد خلاف بين المحدثين: هل الحديث يمكن أن ترويه بالمعنى أو لا؟ والراجح أنه ممكن أن تروي الحديث القدسي بالمعنى ولك الأجر، لكنك غير متعبد بتلاوته.

قوله: (المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) هذا فيه دلالة على أن محمداً هو الذي اختص بهذه الخصيصة، وفيه بيان أن القرآن هو أكبر المعجزات التي أوتيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: (المنقول إلينا بالتواتر) يخرج لنا الآحاد من الأحاديث القدسية التي نقلت لنا عن طريق التواتر.

<<  <  ج: ص:  >  >>