للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شروط النسخ]

أما شروط النسخ: فأولها: تعذر الجمع بين الدليلين، أي: إذا جاءت أدلة ظاهرها التعارض، والأصل أنه ليس هناك تعارض؛ لأنه كله يخرج من مشكاة واحدة، قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٤] فلا يوجد تعارض، لكن في نظر المجتهد يكون ظاهره التعارض، فإن أمكن الجمع فلا نذهب إلى النسخ؛ لأن العلماء قالوا: الجمع أولاً، ثم النسخ، ثم الترجيح، فلا يذهب المجتهد للنسخ في الأدلة إلا إذا تعذر الجمع بين الدليلين؛ للقاعدة الفقهية التي تقول: (إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما) أو (إعمال الكلام أولى من إهماله)؛ لأنه كله خرج من النبي صلى الله عليه وسلم، فلو وجدت له طريقاً في أنك تعمل به فاعمل، وكما قلنا: الذين قالوا لنا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب) في الصلاة الجهرية منسوخة بقول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} [الأعراف:٢٠٤]، نقول: لا نسخ؛ لأنه يمكن الجمع بينهما، وكيف يكون الجمع؟ نقول: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} [الأعراف:٢٠٤] هذا في غير الفاتحة، أما الفاتحة فيقرؤها، فإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما.

ثانيها: العلم بالناسخ، والعلم بالناسخ يعرف بأمور ثلاثة: الأمر الأول: بالنص، كأن يأتيني نص يقول لي: هذا نسخ هذا، فهذا أوضح وأجلى ما يكون، مثال ذلك: قال الله تعالى: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ} [الأنفال:٦٦] أي: نسخ الوقوف والمجابهة أمام العشرين بالمجابهة أمام الاثنين، فهذا النسخ صريح.

كذلك في النص الصريح: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها) فنسخ.

وأيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كنت قد أبحت لكم نكاح المتعة إن الله حرمها إلى يوم القيامة)، هذا نص صريح أيضاً في النسخ.

الأمر الثاني: بقول الصحابي، كأن يقول: هذا الحكم نسخ، أوضح مثال لذلك هو: جابر بن عبد الله كما في الصحيحين، حيث بين أن آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، وكان قبل ذلك يتوضأ مما مست النار، فأي شيء طبخ فلابد أن تتوضأ إذا أردت الصلاة، فـ جابر بن عبد الله أخبر أن هذا قد نسخ، وكان آخر أمره صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار.

كذلك لحوم الأضاحي: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تدخر لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام)، فبين علي بن أبي طالب أن هذا كان لعلة، هي علة: الدافة؛ لأن الفقراء كثر، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخروا منها شيئاً، فلا بد أن يوزعوا على الفقراء، فلما انتهت الدافة والفقر أباح لهم أن يدخروا من لحوم الأضاحي.

وكذلك حديث عائشة: نسخ الرضعات من عشر إلى خمس، وهذا أصرح ما يكون.

ثالثها: العلم بالتاريخ، كأن يكون الراوي متأخراً في الإسلام، كـ أبي هريرة مثلاً، حيث يكون قد روى الحديث شخص متقدم في الإسلام، فيروي أبو هريرة حديثاً ينسخه؛ لأن أبا هريرة متأخر في الإسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>