للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام النسخ]

القسم الأول: نسخ الحكم واللفظ، أي: ينسخ حكمه وتلاوته، كقول عائشة: (كان مما نزل من القرآن عشر رضعات مشبعات يحرمن، ثم نسخن إلى خمس رضعات) فهل ممكن أحد يأتينا بهذه الآية من القرآن؟ لا، فقد نسخت حكماً وتلاوة.

القسم الثاني: نسخ الحكم دون التلاوة، مثاله: قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال:٦٥]، الحكم هذا نسخ وبقيت تلاوته.

كذلك قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة:٢٨٤] نسخت حكماً دون التلاوة.

كذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة:٢٤٠] معنى الآية: أن المرأة المتوفى عنها زوجها لا تخرج من البيت أبداً مدة عام كامل، فهذه نسخت إلى أربعة أشهر وعشراً، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:٢٣٤]، فهذا من المنسوخ حكماً دون التلاوة؛ لأن الآية موجودة، لكن الحكم نسخ من سنة إلى أربعة أشهر وعشراً.

ما الحكمة في ذلك؟ الحكمة: أولاً: أن يؤجر المرء بتلاوة القرآن؛ لأن الآية عندما يتلوها الشخص يأخذ أجراً عليها، الثاني: إثبات للنسخ، الذي هو: نسخ الحكم دون التلاوة.

الثالث: أن الله جل وعلا يبين للأمة أنه يخفف عنهم، فيعلموا أن الله يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، فيشكرون الله على ذلك، وهذا فيه دلالة أيضاً على أن الدين هو دين السماحة واليسر بحق إن لم يخالف الشرع، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خير بين أمرين اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً أو مخالفاً للشرع.

القسم الثالث: نسخ التلاوة دون الحكم، ومثاله هذه الآية: (والشيخ والشيخة إذا زنيا) كما في الصحيح عن ابن عباس قال: (قام عمر بن الخطاب خطيباً في الناس فقال: إني أخشى أن يطول بالناس زمان فيتركوا فرضاً فرضه الله عليهم، ألا وإنه كانت آية كنا نقرؤها مع رسول الله: (والشيخ والشيخة إذا زنيا)) -ويقصد بالشيخ: المتزوج- (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة) قال: فرجم رسول الله، ورجم أبو بكر) فبين للناس هذا الحكم مع أنه قد نسخ تلاوة، ولكن بقي حكماً، فكل سيد أحصن بنكاح صحيح زنى فإنه يرجم، والنكاح الصحيح كما قال جمهور أهل العلم هو: الوطء بعقد صحيح ولو مرة واحدة، مالك استثنى وقال: إلا في حيض، وهذا خلافه أيضاً يرجع إلى الفقه.

الغرض المقصود: أن المحصن هو: من وطأ امرأته ولو مرة واحدة، ولو غاب عنها مائة سنة، المهم أنه يكون وطأها مرة واحدة بعقد صحيح، فهذا محصن يرجم حتى الموت: (ارجموهما ألبتة) أي: حتى الموت.

<<  <  ج: ص:  >  >>