للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صاحبه، ولا تقضي له بالحذق والأستاذية وسعة الذّرع وشدة المنّة «١»، حتى تستوفي القطعة وتأتي على عدة أبيات. وذلك ما كان من الشعر في طبقة ما أنشدتك من أبيات البحتري، ومنه ما أنت ترى الحسن يهجم عليك منه دفعة، ويأتيك منه ما يملأ العين ضربة، حتى تعرف من البيت الواحد مكان الرجل من الفضل، وموضعه من الحذق، وتشهد له بفضل المنّة وطول الباع، وحتى تعلم، إن لم تعلم القائل، أنّه من قيل شاعر فحل، وأنه خرج من تحت يد صناع، وذلك ما إذا أنشدته وضعت فيه اليد على شيء فقلت: هذا، هذا! وما كان كذلك فهو الشّعر الشاعر، والكلام الفاخر، والنّمط العالي الشريف، والذي لا تجده إلّا في شعر الفحول البزّل «٢»، ثم المطبوعين الذين يلهمون القول إلهاما.

ثم إنّك تحتاج إلى أن تستقري عدّة قصائد، بل أن تفلي «٣» ديوانا من الشعر، حتى تجمع منه عدّة أبيات. وذلك ما كان مثل قول الأوّل، وتمثّل به أبو بكر الصّدّيق رضوان الله عليه حين أتاه كتاب خالد بالفتح في هزيمة الأعاجم: [من الوافر]

تمنّانا ليلقانا بقوم ... تخال بياض لأمهم السّرابا

فقد لاقيتنا فرأيت حربا ... عوانا تمنع الشّيخ الشرابا «٤»

انظر إلى موضع «الفاء» في قوله:

فقد لاقيتنا فرأيت حربا ومثل قول العباس بن الأحنف: [من البسيط]

قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا، ... ثمّ القفول، فقد جئنا خراسانا «٥»


(١) بالضم: القوة. القاموس/ منن/ (١٥٩٤).
(٢) تقول جمل وناقة بازل وبزول جمل بزّل أي في تاسع سنة والرجل الكامل في تجربته. القاموس/ بزل/ (١٢٤٨).
(٣) تقول فلاه بالسيف يفليه وفلي الشعر تدبره واستخرج معانيه. فلى رأسه بحث عن القمل.
القاموس/ فلي/ (١٤٠٧).
(٤) من شعر الصحابي الجليل زياد بن حنظلة التميمي وهما من قصيدة وردت في خبر ذكره الطبري في تاريخه (٣/ ٢٢٢ - ٢٢٥). اللأم: جمع لأمة: الدرع. القاموس/ لأم/ (١٤٩٢).
(٥) في ديوانه من أبيات قالها للرشيد، وهو ذاهب إلى أرمينية ومنها:
ما أقدر الله أن يدني على شحط ... سكان دجلة من سكان جيحانا
متى الذي كنت أرجوه وآمله ... أمّا الذي كنت أخشاه فقد كانا
عين الزمان أصابتنا فلا نظرت ... وعذّبت بصنوف الهجر ألوانا
انظر الأغاني (٨/ ٣٨٨)، وجيحان: نهر بالمصيصة بالثغر الشامي، ومخرجه من بلاد الروم ويمر حتى يصب بمدينة تعرف بكفربيّا بإزاء المصيصة.

<<  <   >  >>