للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لعمرك إنّا والزّمان كما جنت ... على الأضعف الموهون عادية الأقوى «١»

ومنه «التقسيم»، وخصوصا إذا قسّمت ثم جمعت، كقول حسان: [من البسيط]

قوم إذا حاربوا ضرّوا عدوّهم ... أو حاولوا النّفع في أشياعهم نفعوا

سجيّة تلك منهم غير محدثة، ... إنّ الخلائق، فاعلم، شرّها البدع «٢»

ومن ذلك، وهو شيء في غاية الحسن، قول القائل: [من البسيط]

لو أنّ ما أنتم فيه يدوم لكم ... ظننت ما أنا فيه دائما أبدا

لكن رأيت اللّيالي غير تاركة ... ما سرّ من حادث أو ساء مطّردا

فقد سكنت إلى أنّي وأنّكم ... سنستجدّ خلاف الحالتين غدا «٣»

قوله: «سنستجد خلاف الحالتين غدا»، جمع فيما قسّم لطيف، وقد ازداد لطفا بحسن ما بناه عليه، ولطف ما توصّل به إليه من قوله: «فقد سكنت إلى أنّي وأنّكم».

وإذ قد عرفت هذا النّمط من الكلام، وهو ما تتّحد أجزاؤه حتى يوضع وضعا واحدا، فاعلم أنه النّمط العالي والباب الأعظم، والذي لا ترى سلطان المزيّة يعظم في شيء كعظمه فيه.

ومما ندر- منه ولطف مأخذه، ودقّ نظر واضعه، وجلّى لك معن شأو قد تحسر دونه العتاق «٤»، وغاية يعيا من قبلها المذاكي «٥» القرّح «٦» - الأبيات المشهورة في تشبيه شيئين بشيئين، كبيت امرئ القيس: [من الكامل]

كأنّ قلوب الطّير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العنّاب والحشف البالي «٧»


(١) الموهون: الذي أصابه وجمع وإن كانت أنثى يقال لها واهنة، يقال: أوهنه الله فهو موهون كما يقال أحمّه الله فهو محموم.
(٢) البيتان لحسان بن ثابت في ديوانه (ص ٢٣٨)، والطراز (٣/ ١٤٤)، والمصباح (ص ٢٤٩)، والإيضاح (ص ٣١٦).
(٣) الأبيات لإبراهيم بن العباس الصولي ونسبها البعض إلى ابن الرومي.
(٤) عتاق الطير: الجوارح منها، الأرحبيات العتاق: النجائب منها. اللسان/ عتق/ (١٠/ ٢٣٥).
(٥) هي الخيل التي أتى عليها بعد قروحها سنة أو سنتان. اه اللسان مادة/ ذكا/ (١٤/ ٢٨٨).
(٦) جمع قارح وهي الناقة أول ما تحمل. اه اللسان/ قرح/ (٢/ ٥٥٩).
(٧) البيت في ديوانه من قصيدة مطلعها:
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي
وفي الأغاني (٣/ ١٩٢)، وشرح التصريح (١/ ٣٨٢)، وشرح شواهد المغني (١/ ٣٤٢، ٢/ ٥٩٥، ٨١٩)، والصاحبي في فقه اللغة (ص ٢٤٤)، ولسان العرب (أدب)، والمقاصد النحوية (٣/ ٢١٦)، والمنصف (٢/ ١١٧)، وتاج العروس (بال)، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر

<<  <   >  >>