للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اقتداء الصحابة برسول الله في حماية جناب التوحيد]

وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حسموا المادة وسدوا الذريعة أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا علي بن أبي طالب كما في صحيح البخاري يقول لـ أبي الهياج الأسدي: (ألا أبعثك على ما بعثني به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا تجد تمثالاً إلا كسرته، أو قال: ألا تجد صنماً إلا كسرته، ولا تجد قبراً مشرفاً إلا سويته) فلا بد من تسوية القبور.

والبدع الموجودة في المقابر التي نراها من تعلية القبور وتجصيصها، وكتابة الكلمات التي لا تصح، كلها بدع تصل بالإنسان إلى الغلو في الصالحين ثم الشرك، وعلي بن أبي طالب ينتصر للتوحيد ويأتسي برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: إذا رأيت قبراً مشرفاً لا بد أن تسويه بالأرض.

وعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه عندما فتح الله بلاد العراق على يده بعث إليه أبا موسى الأشعري بقوله: وجدنا قبر دانيال.

وهو نبي من أهل الإسلام لأن الأنبياء كلهم كانوا على الإسلام، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الأنبياء إخوة لعلات) أي: لأب واحد والأمهات شتى يعني: دينهم واحد وشرائعهم مختلفة، ويصدق ذلك قول الله: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:٤٨] هذا هو الدليل الصريح الصحيح في أن الأنبياء كلهم كانوا على دين واحد وهو دين الإسلام.

فعندما رأوا قبر دانيال عليه السلام في العراق بعثوا إلى عمر ماذا نفعل؟ انظروا إلى حسم المادة وسد الذريعة فقال عمر بن الخطاب: احفروا ثلاثة عشر قبراً ليعمي على الناس، ثم ادفنوه ليلاً في واحد منها؛ لأنه علم أن الناس كانوا يستسقون به، والاستسقاء بالأموات ممنوع.

فإن قيل: هل هو شرك مخرج من الملة أم لا؟

الجواب

الصحيح الراجح أنهم إذا استسقوا بدانيال بأن يقولوا: أنزل علينا المطر، فقد كفروا، وإذا قالوا: اللهم بجاه دانيال أنزل علينا المطر فقد ابتدعوا في دين الله بدعة مميتة، وهي وسيلة إلى الشرك.

لكن في الأول من أي وجه أشركوا عندما قالوا لدانيال: أنزل علينا المطر؟ لاشك أن فعلهم فعل كفري، ولا يتجرأ على مسألة التكفير إلا جاهل جريء عميق الجهل؛ لكن نقول: القول قول كفري والفعل فعل كفري، والقائل والفاعل ليسا بكافرين حتى تقام عليهما الحجة وتزال الشبهة.

والذي يقول لدانيال: أنزل علينا المطر، أغثنا يا دانيال قد قال قولاً كفرياً صريحاً من عدة وجوه: الوجه الأول: أنه صرف العبادة لغير الله؛ لأن الدعاء عبادة لله وقد صرفها لغير الله، والقاعدة: أنه إذا ثبت في الشرع أنها عبادة لله فصرفها لغير الله شرك.

الوجه الثاني وهو المهم: أنه أشرك في الربوبية؛ لأنه اعتقد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله، فإذا اعتقد في دانيال أو اعتقد في محمد أو في إبراهيم أو في موسى أنه هو الذي ينزل المطر، فقد اعتقد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله، وهذا شرك في الربوبية.

فـ عمر بن الخطاب حسماً للمادة وحفاظاً على جناب التوحيد عمى على الناس خبره وحفر ثلاثة عشر قبراً، ثم دفنه ليلاً حتى لا يستسقي به الناس وحتى لا يصلوا إلى الشرك بهذا الغلو.

<<  <  ج: ص:  >  >>