للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم زيارة القبور للنساء، وأقوال العلماء في ذلك]

هل الزيارة الشرعية عامة للنساء والرجال، أم خاصة بالرجال فقط؟ وهذا معترك قوي جداً بين العلماء، فقد اختلف العلماء في ذلك اختلافاً شديداً: فالقول الأول: هو أن زيارة القبور خاصة للرجال محرمة على النساء، وهذا القول تبناه بعض الشافعية وبعض الحنابلة، وهو ترجيح لشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.

وأدلتهم في ذلك كثيرة منها: حديث الترمذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زائرات القبور) وهذا الحديث فيه ضعف، فـ أبو صالح مولى أم هانئ راوي هذا الحديث عن ابن عباس رجل ضعيف اتفقوا على ضعفه، فالحديث ضعيف لكن يستدلون به.

ووجه الدلالة من التحريم اللعن، فإنه لا يطرد أحد من رحمة الله إلا وقد فعل محرماً بل كبيرة، ومن العلماء من ضبط الكبائر بأنها ما رتب على فعلها لعن.

الدليل الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زوارات القبور) وهذا الحديث صحيح وليس فيه ضعف، فقد اتفق المخالف والموافق على صحة هذا الحديث.

لكن هذا الحديث وجه الدلالة منه ضعيفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لعن الله زوارات القبور) وهذه صيغة مبالغة وصيغة المبالغة فيها دلالة على التكرار، يعني: أن المرأة لو ذهبت مرة أو مرتين فليس في ذلك شيء، لكن إذا استمرت على زيارة القبور فهي ملعونة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زوارات القبور).

لكن بعض الشافعية ضبطه لغة فقال: زوارات القبور بالضم بمعنى زائرات، وبهذا يعضد الحديث الأول.

الدليل الثالث: حديث أم عطية قالت: (نهينا عن اتباع الجنائز)، وجه الدلالة في هذا الحديث أن الأصل في النهي التحريم، وبما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اتباع الجنائز فمن باب أولى أن يمنع زيارة القبور، فهذه فيها دلالة من باب القياس الجلي أو من باب أولى.

القول الثاني: قالوا بالكراهة: والفرق بين القول الأول والقول الثاني هو أن أصحاب القول الأول يؤثمون من زار، وأصحاب القول الثاني لا يؤثمون من زار، وعلى هذا عامة الشافعية والحنابلة.

واستدلوا على ذلك بأدلة منها: قول أم عطية: (نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا) فقالوا: إن قولها: (لم يعزم علينا) صرف هذا النهي من التحريم إلى الكراهة.

القول الثالث: يقولون بجواز زيارة القبور للنساء: واستدلوا بأدلة من السنة والكتاب أيضاً، فمنها أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح مر بامرأة على قبر وهي تبكي ولدها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقي الله واصبري.

فقالت: إليك عني إنك لم تصب مصيبتي.

فتركها النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم: أما علمتِ أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فذهبت إليه تعتذر فلم يقبل عذرها وقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى).

ووجه الدلالة من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ما نهاها عن زيارة القبور، فلما لم ينهها عن ذلك دل على الجواز.

واستدلوا أيضاً بحديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها، والحديث في الصحيح والسنن: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في ليلتها فانسل فذهب إلى البقيع فارتدت ثيابها وخرجت خلف النبي صلى الله عليه وسلم مسرعة، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل البقيع يرفع يديه ويدعو الله جل في علاه، فاستدار النبي صلى الله عليه وسلم، فاستدارت، فأسرعت وأسرع النبي صلى الله عليه وسلم خلفها، حتى دخل خلفها صلى الله عليه وسلم فقال: أنتِ السواد الذي كان أمامي؟ قالت: نعم يا رسول الله قال: أخفت أن يحيف عليك الله ورسوله؟ ثم قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! إني خشيت أن تذهب إلى زوجة من زوجاتك، فقال: إنه جاءني جبريل فقال: يأمرك ربك أن تذهب إلى أهل البقيع فتدعو لهم.

فقالت: يا رسول الله ماذا أقول إذا أتيت القبور؟ قال: قولي: السلام عليكم دار قوم مؤمنين أتاكم ما توعدون وإنا بكم إن شاء الله للاحقون) إلى آخر الروايات.

الأمر الثاني: أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها زارت قبر أخيها، وهذا فعل صحابي.

والثالث: أن فاطمة كانت تزور قبر حمزة كل جمعة.

القول الرابع: استحباب زيارة القبور للنساء: وهذا دليله من الأثر ومن النظر، أما الأثر فقالوا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني كنت قد منعتكم من زيارة القبور ألا فزوروها) وهذا أمر، وهذا الأمر أقل أحواله أن يكون على الاستحباب، فالأمر أصلاً للوجوب إلا أن يصرفه صارف وقد ورد الصارف.

الثاني من النظر: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين العلة، فقال: (فإنها تذكركم الآخرة) وهذا عام للرجال والنساء، وعليه فيستحب للمرأة أيضاً أن تذهب إلى القبر حتى تتذكر الموت وتتذكر الآخرة، فتكون من اللائي يسارعن في طاعة الله جل في علاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>