للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرد على المخالفين]

أما الرد على المخالفين في ذلك فنقول: أولاً: الذين قالوا بالكراهة قالوا بحديث: (نهينا ولم يعزم علينا) فنقول: نهي النبي لا يحتاج إلى تأكيد، فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تذهبي أو لا تتبعي فلا يحتاج أن يؤكد ذلك، ولا صارف هنا عن النهي إلى الكراهة، بل يبقى على أصله وهو التحريم.

وأما الرد على الذين يقولون بالجواز، فإنهم استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم مر على امرأة وهي تبكي فلم ينهها.

فنقول: الإجابة على هذا الحديث من وجهين: الوجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (اتقي الله) وتقوى الله فعل المأمور وترك المحظور، وقد نهاها النبي صلى الله عليه وسلم عن اتباع الجنائز ولعن من زارت القبور، فتقوى الله لا تكمل إلا بالانتهاء عن زيارة القبور التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون إجمالاً قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المرأة عن زيارة القبور بقوله: (اتقي الله).

الوجه الثاني: أن هناك مفسدتين: مفسدة الزيارة، ومفسدة خروج المرأة عن شعورها بشق الجيوب ولطم الخدود والتسخط على أقدار الله، فإذا تزاحما قدم أشدهما نكارة.

فالنبي وجد المرأة عند القبر فعلت أمرين محظورين الأول: أنها زارت القبر، والثاني: أنها تبكي وتتسخط على أقدار الله جل في علاه، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم الأهم على المهم وقال: (اتقي الله واصبري) يعني: لا تتسخطي، (إنما الصبر عند الصدمة الأولى).

وإن قلنا بأنه لم ينه فهذه واقعة عين، ووقائع الأعيان لا تعمم، فلعله تركها لأنه لو نهاها عن زيارة القبور بعد أن قال لها: (اتقي الله واصبري) أن تسب أو تخرج عن شعورها فتتكلم مع النبي صلى الله عليه وسلم بما لا يليق.

واستشهدوا بحديث عائشة وأنها قالت: (ماذا أقول لهم؟) ففيه دلالة أنه لما علمها الدعاء أنها تزور، وهذه دلالة ليست أيضاً بقوية؛ إذ إننا نقول: يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علمها إذا مرت بالقبور أن تقول هذا الدعاء، وليس بلازم أن نقول إنها تزور فتقول هذا الدعاء.

وهناك دليل على أن الإنسان لو مر على المقابر ولم يدخل إليها أن يقول هذا الدعاء، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مررتم بقبور المشركين فقولوا: أبشروا بما يسوءكم، ستجرون على وجوهكم وبطونكم إلى نار جهنم) فهذا فيه دلالة على أنك إذا تكلمت بهذا الكلام وأنت مار فسوف يسمع أصحاب القبور ما تكلمت به، إذاً هذا الحديث يحتمل أنه للمرور ويحتمل أنه للزيارة، وقد جاءت الأدلة تمنع الاحتمال الثاني، فيبقى الاحتمال الأول وهو المرور.

أما دليلهم الثالث وهو زيارة عائشة لقبر أخيها، فالرد عليه: أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها ما سافرت قاصدة قبر أخيها، وقد جاء في بعض الروايات -وإن كان فيها ضعف- أنها قالت: لو شهدته ما زرته، يعني: لو شهدت موته وصليت عليه مثلاً ودعوت له ما ذهبت إلى قبره.

فيحتمل أنها ذهبت من لوعة الأسى الذي في قلبها من أجله لأجل أن تصلي عليه أو ذهبت تدعو له.

وإن لم يرض المخالفون بهذا الرد فنقول: فعلت عائشة هذا، وفعل عائشة يصادم قول النبي، والحجة كل الحجة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما حديث فاطمة وأنها كانت تذهب كل جمعة فهو حديث ضعيف لا حجة فيه.

فإذاً: لا يبقى لهم حجة يحتجون بها.

والذين قالوا بالاستحباب قالوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها).

فنقول: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فزوروها) هذا اللفظ نقل النووي قال: هذا اللفظ خاص بالرجال ولا يدخل فيه النساء بالاتفاق.

لكن لمعترض أن يقول: هذا تغليب للرجال ويمكن أن يدخل تحته النساء لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (النساء شقائق الرجال في الأحكام) فهذا ظاهر جداً في أنهن يدخلن في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا فزوروها).

فنقول: نعم، يدخلن في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا فزوروها)، لكن جاء المانع الذي يمنع دخولهن وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زوارات القبور)، وأيضاً قول أم عطية: (نهينا عن اتباع الجنائز).

<<  <  ج: ص:  >  >>