للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الزيارة البدعية للقبور وصورها]

النوع الثاني من الزيارة: الزيارة البدعية: والزيارة البدعية أصلها مشروع وهيئتها محدثة، فالأصل في زيارة القبور أن يرق فيها القلب، وتدمع بها العين، ويتذكر الموت والآخرة فهذه مشروعة، لكن يأتي أحدهم بهيئة مستحدثة مبتدعة كأن يشد الرحل إلى المقبور لزيارته، كالذين يذهبون إلى البدوي أو إلى أبي العباس، أو إلى أبي الدرداء، فهذا كله يعتبر من البدع المنكرات؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد).

فلا يمكن أن تعظم بقعة من بقاع الأرض لأحد فيها ولا لشيء فيها إلا ثلاثة مساجد: المسجد الأقصى، والمسجد النبوي، ومسجد الكعبة.

وأيضاً من المستحدثات: أن يدخل المرء إلى هذا القبر لبنائه وتعليته، ناهيك عن الكتابات التي تحدث كالمغفور والمرحوم المتصدق وغير ذلك من التفاخر المعلوم، فهذا أيضاً من البدع.

وإيقاد السرج على القبور من المحدثات التي تجعل الزيارة بدعية.

من هذه أيضاً: أن يذهب المرء للمقبور ليستغفر لهذا الزائر الذي يدخل عليه، كما يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: يا رسول الله! استغفر لي ربي، أو استغفر لي ربك.

فهذه من الزيارة البدعية أو الشركية؛ لأنها مخالفة لفعل النبي والصحابة والسلف ولا دليل عليها.

لكن أبى علينا الذين يفعلون ذلك وقالوا: عندنا أدلة من الكتاب ومن الأثر: أولاً: قول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء:٦٤] فهذه الآية فيها دلالة على ما نريد، ووجه الدلالة من هذه الآية أنها على العموم سواء كان حياً أو ميتاً.

ويرد عليهم في هذا بأن نقول: هناك فارق في اللغة بين إذ وإذا، فإذا ظرف زمان للمستقبل، أما إذ فظرف زمان للماضي، فقول الله جل في علاه: ((وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ)) يعني في الماضي، وقول الله تعالى: ((وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ)) يعني: حال حياته؛ لأن إذ ظرف زمان للماضي، ويكون معنى الآية: لغفر الله لهم.

واستدلوا من الأثر بأن الأعرابي الذي جاء للنبي في قبره وقال: يا رسول الله، إني أقرأ الآيات: ((وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ)) ثم قال: يا رسول الله، استغفر لي الله.

فكان هناك من ينام عند قبر النبي فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه في المنام فقال: (اذهب إلى هذا الأعرابي فقل له: قد غفر الله لك)، واحتجوا بهذه القصة.

فنقول لهم: أحكام الشرع لا تناط بحال من الأحوال بهذه الرؤيا المنامية، بل أحكام الشرع تناط بقال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم، ناهيك عن أن الصحابة لم يفعلوا ذلك، والتابعون ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين لم يفعلوا ذلك.

فثبت أن هذه التوسلات أو هذه الاستدلالات كلها باطلة، وأن هذه الزيارة بدعية، وأن الذي يذهب إلى رسول الله مدعياً حياة النبي نقول له: حياة النبي حياة برزخية لا تقاس على الحياة الدنيوية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه شيئاً حتى يملك لك شيئاً فيستغفر لك الله جل في علاه.

ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين لأمته أن يذهبوا إلى قبره بعد مماته فيطلبوا منه الاستغفار لهم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، فلما لم يفعلوا دل ذلك على أنه ليس بمشروع.

<<  <  ج: ص:  >  >>