للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كفارة نذر المعصية]

اختلف الفقهاء فيمن نذر المعصية هل عليه كفارة في هذا النذر أم لا؟ فجمهور العلماء يرون أنه لا كفارة عليه؛ لأن معصية الله جل في علاه لا يفي الإنسان بها ولا يطالب بالوفاء بها.

وقال الحنابلة: إن عليه الكفارة، يعني: من نذر أن يعصي الله فلا يعصه وعليه كفارة يمين؛ لأنهم أنزلوا النذر منزلة اليمين، واستدلوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه، وكفارته كفارة يمين).

ولكن هذه مجملة، فهل كفارة اليمين هنا على النذر الذي هو طاعة ولم يستطع أن يفيَ به أم هي أيضاً في نذر المعصية؟ فقول الجمهور قوي جداً، وإن كان ظاهر الحديث مع الحنابلة، لكن الجمهور عندهم وقائع أحوال ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة أو جاءه رجل فقال: إن أمي نذرت أن تمشي إلى الحج، فقال: (لتمش وتركب)، ولم يأمرها أن تكفر عن نذرها.

وأيضاً الرجل الذي قام في الشمس وكان صائماً ولا يتكلم فقال: (مروه فليتكلم وليستظل)، ولم يأمره بكفارة اليمين.

فهذه فيها دلالة على أن الكفارة لا تصاحب النذر في المعصية؛ لأن الرجل وقف في الشمس وضر نفسه فهذه معصية، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يستظل.

وأيضاً: لما قام الرجل ساكتاً فهذه معصية؛ فأمره ألا يفعل ذلك، وهذا الفعل من النبي صلى الله عليه وسلم فيه دلالة واضحة في وقت البيان أنه لا كفارة، فنقول: إن هذه الأحوال صرفت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وكفارته كفارة يمين) من الوجوب إلى الاستحباب، فيستحب أن يكفر ولا يجب ذلك عليه.

فالذي نذر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقد نذر نذر معصية، فلا وفاء عليه، ويستحب له أن يكفر عن ذلك كفارة يمين تنزيلاً للنذر منزلة اليمين، وذلك بأن يطعم عشرة مساكين، فإن لم يكن من أصحاب المال فعليه أن يصوم ثلاثة أيام متتابعات وهو الأفضل أو يصومهن متفرقات، وهذه هي المسألة الأولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>