للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مناقشة أدلة المبيحين]

أما الذين قالوا بالجواز فأدلتهم هي: حديث ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (ضعوا وتعجلوا)، وهو حديث ضعيف أيضاً، وفيه علتان: العلة الأولى: أن الحديث يدور على مسلم بن خالد الزنجي، وقد وثقه الشافعي لكنه ضعيف، وهو شيخ الشافعي، وفيه اختلاف، والراجح أنه ضعيف وإن وثقه الشافعي، قال ابن المديني: ليس بشيخ، وقال البخاري: منكر الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به، يعني: يعتبر به، وقال ابن عدي: حسن الحديث وأرجو أنه لا بأس به، وكأن ابن عدي وافق توثيق الشافعي، لكن لا يفرح به؛ لأن المحققين من أهل الجرح والتعديل قد ضعفوا مسلم بن خالد، قال ابن سعد: كان كثير الغلط في حديثه، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان يخطئ كثيراً، وهذه دلالة على غمزه بذلك، قال الدارمي عن ابن معين: ثقة وكان الشافعي حسن القول فيه، والصحيح الراجح أنه ضعيف، وقال الساجي: صدوق كثير الغلط، وقال الذهبي: ضعيف لكثرة خطئه، ورجح الحافظ أنه يخطئ كثيراً، أو قال: صدوق كثير الأوهام، وحال هذا يضعف حديثه، لكن حديثه يعتبر به، فلو جاء واحد في درجته يمكن أن يرتقي الحديث إلى أن يكون حسناً لغيره، فالراجح في هذا الرجل أنه صالح لكنه كثير الخطأ والوهم، فيضعف حديثه من أجل كثرة خطئه.

العلة الثانية في حديث ابن عباس: هو داود بن الحصين، وهو ثقة ثبت، فكيف يكون علة في ذلك السند؟ لأن داود بن الحصين يروي الحديث عن عكرمة عن ابن عباس، وداود بن الحصين ثقة إلا في حديثه عن عكرمة ففيه شيء، قال ابن معين: ثقة، وقال ابن المديني: ما روى عن عكرمة منكر، وقال أبو زرعة: لين، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، والصحيح الراجح أن قول أبي حاتم: ليس بالقوي في عكرمة، وأيضًا يؤول قول أبي زرعة فيه أنه لين إذا حدث عن عكرمة، وهذا الحديث عن عكرمة، ولذلك قال أبو داود فيه: أحاديثه عن شيوخه مستقيمة، وأحاديثه عن عكرمة مناكير.

فحديثه عن شيوخه الذين لازمهم مستقيمة، وحديثه عن عكرمة مناكير، قال الحافظ: ثقة إلا عن عكرمة، وهذا الحديث قد رواه عن عكرمة فيضعف بذلك.

إذاً: فيه علتان: العلة الأولى: مسلم بن خالد، والعلة الثانية: داود فيما رواه عن عكرمة، والقاعدة عند العلماء: الأحكام فرع عن التصحيح.

الدليل الثاني: ما صح سنده عن ابن عباس، فالصحيح أن ابن عباس كان يقول بذلك، وقد خالفه ابن عمر وزيد بن ثابت، والحجة ليست لـ ابن عباس عليهم، ولا لهم على ابن عباس، وإنما القرائن المحتفة هي الحجة.

أما الدليل الثالث النظري فقد قالوا: إنه من باب الصلح، والصلح مرغب به في الشرع، وهذا من أقوى ما استدلوا به، ولا رد على هذا الدليل، أن هذا من باب الصلح والصلح خير، وفيه تخفيف على المدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>