للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما قوله: واللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ «١» فنقول: الدابة في وضع اللغة كل ما دب ودرج. وفي عرف الاستعمال اللغوي: مختص بذوات الأربع كالفرس ونحوه، فإن حمل لفظ الدابة على هذا المعنى العرفي فلا إشكال في أنها من ماء، وهو الماء الذي ينزله الذكر في الأنثى وتنزله هي عند الوقاع «٢».

وإن حمل على الوضع اللغوي فالجواب من وجوه:

أحدها: أن" من" في قوله مِنْ ماءٍ للسببية. بمعنى أن للماء مدخلا وتأثيرا بحقيقته أو بما هو من طبيعته في وجود كل دابة «٣».

وهذا صحيح. فإن كل دابة فهي حيوان، وكل حيوان لا بد فيه من رطوبة مائية بها تتقوم حياته، فيدخل في ذلك العقارب والخنافس ونحوها من الحشرات التي يقال إنها تتولد من التراب، لأنها وإن كانت متولدة من التراب إلا أنها لا تستغني عن رطوبة، هي من طبيعة الماء تقوّم حياتها.

الوجه الثاني: أن نقول في الدابة وضعا ما قلناه في الدابة عرفا، وهو أن سائر أشخاصها مخلوقة من" ماء" الوقاع، لأن فيها ذكورا وإناثا قطعا، ولا فائدة للصنفين المذكورين إلا التناسل المعتاد بين سائر أصناف الحيوان، وما يقال: من أن بعض الدواب تخلف من التراب، فلا شك أنه قد قيل، ولكنا لم نشاهده فلا نقلد فيه. ولا عليه دليل قاطع من جهة العقل/، فإن شاهدناه أجبنا حينئذ بحسب ما ينبغي.


(١) سورة النور، آية: ٤٥.
(٢) انظر تفسير القرطبي ١٢/ ٢٩١، وتفسير الطبري ١٨/ ١٥٥، وتفسير الشوكاني ٤/ ٤٢.
(٣) انظر تفسير القرطبي ١٢/ ٢٩١، وتفسير الشوكاني ٤/ ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>