للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسنة، وإن كانا أصل الشريعة ومادتها لكن اقتناص الأحكام منها يحتاج إلى تصرف في التركيب، كما أن مفردات الدواء مادته، ولا بدّ في الانتفاع بها من تصرف في التركيب، وكذلك مقدمات الدليل مادته ولا ينتفع بها في إثبات الحكم إلا بمعرفة تركيب الدليل منها، وكذا الكلام في مفردات كل مركب. وإذا عرفت هذا فحكم دين الإسلام في الزاني إن كان محصنا الرجم حتى يموت، وهل يجلد قبله مائة جلدة؟ على قولين «١». وإن كان بكرا


(١) الأول: ما فعله علي- رضي الله عنه- وهو الجمع بين الجلد والرجم وقال بعد إقامته الحد على شراحة الهمدانية:" جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-" وبهذا قال الحسن البصري وغيره وهو إحدى الروايتين عن أحمد. وهذا مقتضى حديث عبادة بن الصامت الذي سيورده المؤلف. ومن أدلة هذا القول قوله تعالى: الزَّانِيَةُ والزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ... [سورة النور: ٢].
القول الثاني: أن على الثيب الرجم فقط دون الجلد وهو قول عمر والزهري ومالك والثوري والشافعي. وهو الرواية الثانية عن أحمد: متمسكين بأن النبي- صلى الله عليه وسلم- رجم ما عزا والغامدية ولم يجلدهما. وبقوله لأنيس: «اغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها» ولم يذكر الجلد، فلو كان مشروعا لما سكت عنه. [انظر المغني لابن قدامة ٨/ ١٦٠، وتفسير القرطبي ٥/ ٧٨، وتفسير ابن كثير ١/ ٤٦٢].
قلت: ولعل الراجح هو القول الثاني، ويحمل حديث عبادة بأنه منسوخ بفعل النبي- صلى الله عليه وسلم- بماعز والغامدية واليهوديين وقصة أنيس. والآية تحمل على حكم الزاني البكر لأن الرجم لم يذكر فيها. أو أنها كانت ناسخة لآية النساء التي ذكرها المؤلف. ثم نسخت هي أيضا بحديث عبادة، ونسخ حكم الثيب في حديث عبادة بالأحاديث المذكورة. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>