للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نظرة العقلانيين إلى العلماء في ضوء الحضارة المعاصرة]

المقدم: لكن كيف نرد عليهم عندما يقولون: ما أدرى العالم بالسياسة، وما أدراه بالاقتصاد، وما أدراه بالمعاملات العالمية؟ الشيخ: هذه مسألة ذات جوانب متعددة، فهم أحياناً ينظرون إلى العلماء والمشايخ من خلال نماذج معينة قد يكون تخصصها أبعدها عن جوانب الحياة الأخرى، فيجعلون هذا النموذج من العلماء الذين ليس لهم تبصر في جوانب الحياة -وإن كانوا قلة- عندما يجيب أحدهم أو يتكلم لا يجيد عندهم، وربما كان هذا راجعاً إلى تقصيرهم؛ لأنهم لا يحسنون العرض على العالم، هذا جانب.

الجانب الآخر: أنهم يرون أن العلماء يجب عليهم أن يحلوا جميع المشكلات الجزئية في التخصصات، وهذا خطأ، فليس على العالم أن يدخل في كل تخصص، وأن يكون أسبق إليه، فالعالم ما هو إلا عبارة عن مرجع يقدم له أهل الاختصاص ما عندهم من علوم بأسلوب يتناسب مع القواعد الشرعية.

المقدم: هذه نقطة مهمة نود أن توضحها يا شيخ.

الشيخ: نعم، هذه مسألة يمثلها -مثلاً- المجمع الفقهي، فالمجمع الفقهي الآن يمثل علماء العالم الإسلامي تقريباً، وهو يعتبر نموذجاً تقوم به الحجة على العلمانيين وأمثالهم؛ لأنهم ما خدموه، ولو خدموه لأبدع وحل أكثر النوازل، بل كل النوازل المعاصرة.

فالمجمع العلمي تعرض عليه أي قضية معاصرة ليست من اختصاص علماء الفقه وعلماء العقيدة، فيرجعون فيها إلى المتخصص، فيعرض وجهة نظره، ثم يحكمون على ضوء هذا العرض.

المقدم: سواء أكانت مسألة اقتصادية أم مسألة طبية أم غير ذلك؟ الشيخ: أي مسألة طبية أو اقتصادية، وفي أي علم من العلوم في الأرض والآفاق.

المقدم: إذاً: العلماء يحترمون التخصص؟ الشيخ: نعم، العلماء يخدمون التخصص، لكن هذا العلماني لا يريد أن يعرض عليهم كل شيء، ولذلك يكبلون المؤسسات الدينية، فالعلمانيون في جميع العالم الإسلامي يحولون بين العالم وبين أن يكون عنده مؤسسة دينية تخدمه، فلا يوفرون له الوسائل؛ لأنهم يدعون أن العلماء عندهم قصور في استخدام الوسائل، وهل الطبيب يستطيع أن يوفر وسائل الطب وحده؟ المقدم: أبداً.

الشيخ: إن الدولة والمؤسسات العلمية والثقافية هي التي توفر له ذلك، أليس كذلك؟ المقدم: بلى! الشيخ: إن هذه المؤسسات ما وفرت للعالم الآلية التي تجعله يقدم اجتهاده في كل قضية.

وبعضهم يعرف هذا ولا يريده، وبعضهم لا يعرفه، يظن أن العالم لا بد له من أن يكون طبيباً ومهندساً وكيميائياً وفيزيائياً، وهذا ليس بصحيح.

فإذا كنت صاحب الاختصاص فلا بد من أن ترجع باختصاصك إلى العالم لتجد عنده الجواب، وإذا ما وجدت الجواب عن واحد ستجده عند مجموعة؛ ولذلك فالقضايا المعاصرة إذا كانت كبيرة لا تحل غالباً عن طريق عالم واحد، بل يحلها العلماء الراسخون مع المختصين.

وهذا الموضوع مهم جداً وإن كانت مناسبته بعيدة، وأنا أرى أنه من الأشياء التي ينبغي أن يفهمها المشاهد، وأرجو أن يسمعني كثير من طلاب العلم ومن المسلمين الذين يهمهم أمر الأمة.

إنه يجب علينا أن نسعى إلى توفير الوسائل والتقنيات الحديثة لمراكز العلم والعلماء، مثل هيئة كبار العلماء، ومثل المجمع الفقهي، ومثل المؤسسات التي بدأت الآن تجمع فقهاء الأمة عبر مؤسسات علمية وإعلامية وثقافية ومراكز بحوث بدأت تظهر ولله الحمد، فهذه المنظومة من المؤسسات المتنوعة يجب علينا أن نتوجه إلى أن نعرض من خلالها مشاكلنا على العلماء؛ لنقطع الخط، ونقطع ألسنة هؤلاء المتقولين الذين يزعمون أن العلماء لم يعد لهم دور إلا الدور الهامشي، كما صرح به بعض رءوسهم اليوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>