للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سر التصاق منهج السلف بالحنابلة]

المقدم: ما هو السر في نسبته إلى الإمام أحمد دون غيره؟ الشيخ: هذا من الأشياء التي لا نعتبرها تعالياً على الآخرين، وهو أن الإمام أحمد رحمه الله كان قوياً وحازماً، ورسم للسلف منهجاً علمياً وعملياً في واقع الحياة.

كما أنه جدد في الوسائل، ليس في الأصول والثوابت، بل في الوسائل العلمية والوسائل المنهجية في تقرير عقيدة السلف والدفاع عنها، الأمر الذي جعل إسهامه في هذا أكثر من غيره.

المقدم: وهل المحنة التي تعرض لها الإمام أحمد لها دور في هذا؟ الشيخ: لا شك، فالمحنة ما هي إلا دليل على ما نقول فقط، فلها دور في تعاطف المسلمين عموماً مع الإمام أحمد، لكن الكلام على تعلقهم بمنهجه.

فمن هنا قيل لأهل السنة: الحنابلة، هذا شيء.

الشيء الآخر: أن الحنابلة تميزوا بالحزم في نصر السنة أكثر من غيرهم، إلى حد أن بعضهم قد يؤخذ عليه أنه أخذ منهج الشدة، لكن هذا قليل، فالأكثرية من الحنابلة عندهم حزم نصر الله به السنة.

المقدم: لذلك الحنابلة يوصمون بالتشدد.

الشيخ: نعم يوصمون بالتشدد؛ لأن الحزم لا يطيقه الناس، والناس لا يفرقون بين الحزم وبين العنف، فكثير من الناس يفسر الحزم والقوة في الحق -ولو كانت بضوابط شرعية- بأنها عنف، ولذلك اتهموا المذهب الحنبلي بأنه عنيف وأن أهله فيهم عنف، وليس فيهم عنف، بل حزم، وقد يوجد منهم من يتجاوز، وهذا حق.

والأمر الثالث في شهرة مذهب الحنابلة: أن أكابر المصلحين -كـ ابن القيم وابن تيمية - احتذوا منهج الإمام أحمد في الاجتهاد، وإن كانوا لا يتقيدون به.

فمن هنا جاءت هذه الشهرة، ونسب الناس السنة والجماعة إلى الحنابلة والوهابية، وهذا فيه لبس وتلبيس.

المقدم: لذلك قد ينسب بعض أهل البدع إلى إمام من الأئمة كـ الشافعي أو مالك، كل فئة تنسب نفسها إلى إمام فقهي معين، يقولون: نحن ننتسب إلى العالم الفلاني، لذلك صنف أغلب الشافعية من قبل أهل البدع، كما صنف أغلب الحنفية.

الشيخ: لكن هذا التصنيف لم يكن سبباً للخلط؛ لأن الذين يلبسون على الناس يستهدفون المنهج الذي يصادم قناعاتهم ويصادم مناهجهم، وهو أقوى منهم.

وإلا فهم عند التحقيق يعرفون، وفي الحقيقة الأئمة الأربعة هم أئمة السنة، وأئمة العقيدة، ولا يختلفون؛ ولذلك فمن الأشياء التي ننبه عليها في هذا المقام: أن حقيقة انتساب أهل الأهواء والافتراق والبدع إلى الأئمة الأربعة لا تستقيم شرعاً ولا عقلاً، وعند البحث المتجرد نجد أنهم ليسوا شافعية ولا مالكية ولا حنابلة، ولا أحنافاً؛ لأن الأصل عند الأئمة الأربعة هو العقيدة، بل إنهم أشاروا إلى أن ما خالفوا فيه الدليل يطرح، وهم مجتهدون متواضعون، وما أرادوا أن يتعصب لهم الناس، ولا يرضون لأحد من أتباعهم أن يترك نهج السنة والجماعة، وقد أكدوا على ذلك.

إذاً: الحقيقة أن مذهب أهل السنة والجماعة هو مذهب الأئمة الأربعة، وأن الذين ينتسبون إلى الأئمة الأربعة ممن خرجوا بالبدع عن السنة والجماعة انتسابهم غير صحيح وغير شرعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>