للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان أعظم سبب للغلو والتطرف في هذا العصر]

المقدم: لكن أليس هذا الكلام من مسببات التشنج والدعوة إلى التكفير؟ الشيخ: بلى، فكل فعل له رد فعل، وهو في الحقيقة من الأشياء التي كثيراً ما أتحدث عنه مع أهل الاختصاص من زملائي الذين يعيشون التخصص، فنحن الآن عندنا قناعة تامة بأن هذا أعظم سبب للغلو والتطرف، وإن كانت أسبابه كثيرة.

أعظم سبب للغلو والتطرف في هذا العصر هو الاتجاه المعاكس، وأنا أكاد أجزم أنه أعظم سبب لتغذية الغلو، والغلو عادة نَفَسُه قصير، لكن استمر الآن عقداً من الزمن؛ لأن هذه المغذيات تبرره، وليس هذا هو السبب الوحيد، بل الأسباب كثيرة، لكن أنا أعتقد جازماً أنه أعظم سبب، وعندي اليقينيات في هذا، وإن شاء الله هناك بعض البحوث تصدر في هذا.

المقدم: في الحقيقة هذا الكلام خطير، وأنه من الاضطرارات الأمنية أن هذا تطرف، وكونك أحد كبار المتخصصين تقول: إن هذا هو أعظم سبب؟ الشيخ: نعم، عندي هذا السبب المباشر الذي يغذي ويتذرع به الغلاة إلى يومنا هذا، وإن كانت الأسباب كثيرة، ورجال الأمن يعرفون هذا، وكثير من المختصين يعرفون هذا، هناك أسباب كثيرة في الخارج والداخل، وكيد الكائدين، وحسد الحاسدين، وعمليات استخباراتية وغيره وغيره كثيرة، لكن الذريعة السطحية المباشرة التي تعتبر ممدة للغلو وتوجد التعاطف معه وتغذيه هي هذه النزعة نزعة التطرف المقابل، فكيف تتصور من شاب غيور على عقيدته ودينه يقرأ يومياً في الصحف تحطيماً لعقيدته ولثوابته بصورة مباشرة، بأقلام أناس من أبناء جلدتنا؟ هذا الشباب المتوثّب الغيور في سن مبكرة يستفزه هذا، ولا أستطيع أن أهدئ هذا الاستفزاز بمجرد كلام أقوله وهو يسمع ويقرأ ويرى، فأقول: نعم هذا سبب مباشر.

المقدم: هذا أيضاً يسبب اتهام العلماء واتهام كبار الدولة بأنهم مثلاً يتواطئون مع مثل هذه الأفكار، هل تخطر هذه ببال هؤلاء الشباب؟ الشيخ: نعم، الذي ليس عنده إدراك لخلفيات الواقع، وليس عنده معرفة بجلب المصالح ودرء المفاسد قد يتهم بغير بينة، واتهام العلماء واتهام الدولة واتهام بعض المفكرين، واتهام حتى بعض الناس الذين لا يُعرفون بالتدين، لكنهم عقلاء وأصحاب رأي ومشورة، فاتهامهم هو جزء من عملية روافد الغلو، بمعنى أنه إذا رأى الشاب المتحمس الغيور مثل هذه الأمور يشعر بأن العالِم ساكت، وأن الحاكم ساكت، وأن هذا الرجل صاحب الرأي والمشورة ساكت، وما يدري أن هؤلاء يُعالجون ويشتغلون، لكن بأسلوب حكيم، وبأسلوب لا يدركه الصغير والمبتدئ والمتحمس الحماس الزائد عن الحد الشرعي، فمن هنا هذه أمور تشابكت وأوجدت مثل هذه الظواهر المزعجة، التي لم تكن مجرد ظواهر، بل أصبحت الآن في الحقيقة مدارس واتجاهات تحتاج في علاجها إلى أن تجتمع جهود جميع المصلحين من الدولة والعلماء وأصحاب الرأي والمشورة، وولاة الأمر ومن التربويين والإعلاميين وجميع طبقات المجتمع الذين يمثلون أهل الحل والعقد، لا بد الآن أن تتداعى جهودهم بشكل منظم ومرتب، كما تنادي الدولة وفقها الله، لعله يدرأ الكثير من الشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>