للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تصحيح بعض المفاهيم عند بعض الشباب عن العلماء]

السؤال

للأسف أننا نجد هناك علماء ليسوا دعاة فعلاً، وإن كانوا دعاة فإلى تخدير الشباب، وأمثال هؤلاء وكثير منهم من هو قابع في الشقة وتحت المكيفات، ولا يدخلون مع الشباب إلى مجال الدعوة، ومن أمثال هؤلاء أيضاً من همه فقط انتقاد الدعاة في كل جزئية كما هو الحال في حكم التمثيل فما رأيك؟

الجواب

هذا نمط من الأخطاء الواقعة، وهذا هو الذي أردت الإشارة إليه: وجود مفاهيم بهذا الشكل، المفاهيم التي في هذا السؤال هي نموذج أحسن مما قلته في تصوير الواقع، ولا أقصد السائل، فالسائل ربما يقصد أنه يتكلم على لسان الغير.

فأولاً: هل عندنا علماء بمعنى الكلمة ليسوا دعاة؟ يبدو لي أن السائل يفهم من الدعوة الركض في الشوارع، وأسلوب الأحداث من الشباب الذي يناسبهم ويناسب سنهم، والمشايخ لهم سمتهم ويؤتى إليهم، والعالم العامل بعلمه هو داعية وإن قبع في مسجده وبيته، وهذا هو المفهوم الصحيح، وارجعوا إلى نهج السلف، فالعالم العامل بالعلم هو داعية بكونه قدوة في علمه ومظهره، حتى لو قبع في بيته، ويسع بعض العلماء الذين لا يستسيغون بعض الأساليب التي لا تناسب مواهبهم أو لا تناسب وضعهم الاجتماعي، أو لا تناسب سمتهم -هم معذورون- ألا يخرجوا من بيوتهم ومساجدهم.

ولهم في ذلك تأول صحيح، والناس والعلماء لا يلزم أن يكونوا على نهج واحد، وعلى قالب واحد، وعلى وصف واحد، فقد تأثرنا نحن بهذا العصر بالشكليات والأرقام والمعلبات، فنريد أن يكون كل العلماء على شكل وعلى ماركة واحدة! وهذا غير ممكن.

والعلماء منهم من يستطيع أن يخرج ومنهم من لا يستطيع، ومنهم من له سمت معين به يستطيع أن يمارس بعض الأساليب التي يراها الشباب، ومنهم من لا يسعه ذلك ولا يستطيعه، ولا يضره ذلك في أمانته وعلمه ودعوته، فالعالم عالم له احترامه، ويجب على هذا الشاب الذي رأى من هؤلاء العلماء هذه الظاهرة أن يذهب إليهم ليصحح مفهومه هذا.

ثانياً: قوله: الدعوة إلى تخدير الشباب.

هذه فيها نظرة، لكن منشؤها أن بعض الشباب عنده من التعجل وسرعة الانفعال بحيث يريد من العالم أن يركض معه حيث ركض، وأن يستجيب له متى ما رفع راية أو شعاراً، ومتى ما حصلت حادثة أو قامت قضية يريد للعالم أن يذهب معه، لا؛ لأن بعض العلماء له نظر في مفهوم الحكمة، وفي درء المفاسد وجلب المصالح، وفي اعتبار المصالح الكبرى ودرء الفتن وغيرها، والحكمة لا تناسب صاحب الأفق الضيق من الشباب أو المتعجلين، حتى قال بعضهم: قتلتنا الحكمة، فمن قتلته الحكمة فليس هو بخير؛ إن الحكمة لا تقتل أحداً، و (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها)، وأقصد بهذا أن بعض المشايخ وبعض العلماء له منهج تروٍ في معالجة الأحداث والقضايا والمسائل، ويسعه ذلك كما يسع غيره من العلماء الذين لهم نهج آخر، وتغير المناهج فيه مصلحة للأمة ما دام على السنة والشرع، ولا أظن من علمائنا من يسعى إلى تخدير الشباب، وقائل هذه المقولة يجب أن يستغفر ربه، وليعد إلى رشده وليستنير رأيه في العلم والعلماء.

والقبوع في الشقة قد يكون ممدوح له؛ لأنك لا تدري ما ظروف الشيخ، فلعله عاكف على علم، أو نفع للمسلمين لعل الله يدفع به من البلاء ما لا يدفع بك أنت، فلا ينبغي الاستهانة بالعلماء، فعلمهم خير كله، ودعاؤهم خير كله، وعبادتهم خير كلها، ولعل الله يدرأ بهم من المفاسد ويجلب بهم من المصالح الخير الكثير، ما داموا على العلم والفقه في الدين، حتى لو لم يتحركوا على ما يريد الشباب أو على ما نريده.

وأما مسألة انتقاد الدعاة فيجب أن نفرح بانتقاد العلماء للدعاة، وقد أشار إليها السائل، ووالله إن هذه في نظري ظاهرة صحية؛ لأن هذا يعني أنهم أدركوا بعض الأخطاء عند الشباب، ويجب على الشباب إذا سمعوا نقداً من عالم أن يقفوا عنده وليتأنوا، فإن كان في تصوره شيء مما يحتاج إلى توضيح فليوضح، مع أني أرى أن الأصل في المشايخ أنهم لا يحكمون إلا بعلم؛ لأنه ربما قد يكون رأيهم في فئات من الشباب، وليس في كل الشباب وهذا هو الصحيح، فكون العالم ينتقد كل جزئية كما هو الحال في حكم التمثيل فهذه مسألة يسع فيها الخلاف، والتمثيل قابل للنقاش شرعاً، وكونه وسيلة من وسائل الشباب للدعوة إلى الله فهو وسيلة عاطفية قد تنفع فتكون مشروعة، وقد يكون عليها محاذير فتكون غير مشروعة.

والمسألة تحتاج إلى رأي أهل العلم، وأهل العلم مختلفون في مسألة حكم التمثيل، واختلافهم مبني على إدراكهم لنصوص الشرع وقواعد الشرع وأصول الدعوة وأساليبها الصحيحة الشرعية، ويسعهم أن يختلفوا في ذلك، ويسعنا أن نتقبل هذا، وينبغي أن نأخذ هذه الأمور برحابة صدر، وكم فرحنا عندما تكلم المشايخ في هذه الأمور التي يمارسها الشباب، وهذا فتح من الله سبحانه وتعالى، ودليل على أن المشايخ هم الذين سيرشدون الشباب إلى الصحيح، ويرشدون الشباب إلى الخير.

<<  <  ج: ص:  >  >>