للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام العقول]

ينبغي أن نعلم أن العقل عقلان: عقل هداية، وعقل معيشة.

أما عقل الهداية فيهبه الله تعالى لمن يشاء من عباده، ولا يمكن لأحد من الناس أن يكسب عقل الهداية بمجرد عبقريته أو ذكائه، ولا يمكن لأحد من الناس أن يكون مدركاً لأمر الهداية والرشد إذا لم يهد الله قلبه للإسلام.

فهذا العقل يهبه الله لمن يشاء، وهو منحة من الله.

أما العقل الآخر: فهو عقل المعيشة، فهذا لدى جميع الناس، لا فرق بين مؤمن وكافر، كل الناس فيهم عقول معيشة، لكن الكفار يفقدون عقول الهداية، والمسلمون وهبهم الله عقول الهداية التي بها يتفكرون في أمر الله وخلقه، ويهتدون إلى عبادته، ويسترشدون إلى الخير والهدى والصلاح على ما يرضي الله سبحانه وتعالى.

هذا الفارق نجده في سلوك الناس، وفي بعض النماذج التي ممكن أن تكون فيها عبرة، ولو استعرضنا أحوال بعض الصحابة كـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كان آية في الذكاء والعقل، لكن قبل أن يهديه الله للإسلام جعله عقله المعيشي يغفل عن بدهيات الخير والفضيلة، فكان يأخذ التمر ويصنع منه صنماً ويعبده ثم إذا جاع أكله، فكان بعد إسلامه يضحك على نفسه: كيف كان يفعل ذلك؟ لم يهده عقله العبقري عقل المعيشة إلى الخير والهدى، وكذلك تعرفون قصته رضي الله عنه حينما دفن ابنته في الجاهلية، فحين كان يحفر لها كانت تعبث بلحيته وتقول: يا أبي يا أبي، ومع ذلك لم يرق قلبه وإنما دفنها حية خوف العار، أنفعه عقل المعيشة؟ لم ينفعه؛ لأن الله لم يهده، لكن لما اهتدى عمر بن الخطاب كان آية، بل كان هو الفاروق بين الحق والباطل، ونصر الله به الإسلام، وأعز به الشرع والدين، حينما وهبه الله عقل الهداية.

ومثالاً آخر أيضاً فيه لنا عبرة وعظة: الآن نجد من البشر من هم من أكبر الناس عقولاً وذكاءً، ومع ذلك يقعون في أخس التصرفات التي يشمئز منها كل ذي فطرة سليمة، خذوا مثلاً: الهنود، فالهنود الآن الذين لم يسلموا من أكبر الناس عقولاً وحكمة، بل يُضرب المثل في حكمتهم، ومع ذلك يعبدون أخس المخلوقات؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يهبهم عقول هداية، ما نفعتهم عقولهم، يعبدون الفرج، ويعبدون القرد، ويعبدون البقر وغير ذلك من المعبودات الخسيسة.

فمن عبد غير الله فليس بعاقل عقل هداية، فكيف من عبد أخس المخلوقات؟ إذاً: عقل الهداية لا يأتي بالذكاء ولا بالعبقرية، ولا يأتي بعلوم الدنيا، ولا يأتي بأي كسب من أنواع الكسب الدنيوية، إنما هو هداية من الله سبحانه وتعالى، وهذا الميزان هو الذي نستطيع أن نزن به أحوال الناس اليوم، الذين يعقلون والذين لا يعقلون، فأكثر الناس الذين يريدون أن تشيع الفاحشة، ويريدون أن يروجوا للضلالة بين الناس يستعملون بعض العقليات وبعض الحجج العقلية، وهؤلاء عموا عن الحق، أعميت بصائرهم عن الحق.

<<  <  ج: ص:  >  >>