للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأسباب المعينة على التخلص من الرياء]

وحتى يستطيع المرء منا أن يتخلص من الرياء فلا بد له من أسباب: أولها: أن يعلم المرء أن الرياء شرك، وهو من أعظم ما خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته.

الأمر الثاني: أن تعلم أن الله جل وعلا غني كل الغنى عن طاعتك، وغني عن كل شريك تشركه معه.

الأمر الثالث: أن من ابتغيت مدحه من الناس هو في نفسه لا يملك لنفسه حولاً ولا طولاً ولا قوة، فكيف يعطيك حولاً أو طولاً أو نفعاً أو ضراً!! فإذا علمت عجز المخلوق يئست مما في أيدهم، وانصرفت إلى الخالق تبارك وتعالى، وما الدنيا ومدح أهلها إلا زهرة حائلة، ونعمة زائلة.

ويزاد على ذلك أن العبد ينبغي عليه أن يستحيي من الله أن يقف يوم القيامة وقد صنع صنيعاً تعبد الله جل وعلا به وأراد به غير الرب تبارك وتعالى، فأي وجه هذا سنلقى به الله إذا كان ثمة عمل صنعناه في الدنيا مما تعبّدنا الله جل وعلا به، ونحن نريد به غير الرب جل وعلا.

وهذا الحياء من الله يوجد إذا كان العبد على علم بعظمة الرب تبارك وتعالى، وجلاله وقدرته، وأنه جل وعلا غني عن طاعة كل أحد.

قال صلى الله عليه وسلم في أعظم حديث قدسي يقول الله جل وعلا: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) إلى أن قال جل وعلا في هذا الحديث القدسي يؤدب عباده: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً).

فعلمك بهاتين الصفتين الجليلتين للرب تبارك وتعالى أعظم ما تدفع به الرياء.

ومن أعظم ذلك كله أن تسأل الله جل وعلا أن يرزقك الإخلاص، واعلم يا أخي أنه ما ارتفع شيء إلى السماء كما قلنا مراراً أعظم من الإخلاص، وما نزل شيء من السماء إلى الأرض على عبد أعظم من التوفيق، وسيأتي الحديث عن التوفيق والتسديد في حديث الولاية، لكننا نختصره هنا، والمقصود من هذا كله أن يكون الإنسان تقياً ورعاً، هذا هو المعنى الحقيقي للحديث.

لكن بعض أهل العلم رحمهم الله قالوا: إن معنى الحديث أن من أظهر عيوب الناس ومساوئهم، وشهّر بهم، أظهر الله جل وعلا عيوبه وذكرها في الناس، وعلى هذا الوجه علينا أن نتقي الله جل وعلا فيما نقف عليه من عورات الناس.

وقد ذكر الشافعي في هذا أدوية فقال: لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسنُ وعينك إن أبدت إليك معايباً من الناس قل يا عين للناس أعينُ نسأل الله أن يديم علينا وعليكم الستر في الدنيا والآخرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>