للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[انتظار ظهور المهدي وأصناف الناس في ذلك]

نعود فنقول: إن الناس من كثرة شغفهم بأن يحلوا أزماتهم تعلقوا بالمهدي، فإما أنهم ينتظرون خروجه، وإما أن يأتي بعضهم فيقول قائلهم: أنا المهدي، وقد حصل عبر التاريخ الكثير ممن ادعوا أنهم المهدي، وبعض العلماء له دراسة علمية في أن أكثر من يدعي أنه المهدي في زماننا أو قبله بقليل تجد في حياته اضطراباً نفسياً، فتجده إنساناً عنده معلومات، وعنده عقل، وعنده رأي، وعنده فكر ولكنه يعاني من مرض نفسي، ثم يدفعه شغفه وحبه للناس وحبه للأمة وحبه للنصر مع الزاد العلمي الذي يقرؤه إلى أن يشكل عنده نوعاً من الازدواج في الشخصية، فيزعم أنه المهدي.

وقد كلمني واحد مرة بالهاتف وهو يزعم أنه المهدي، فجلست معه ساعة إلا ربعاً أقنعه بأنه ليس المهدي، فلم يقتنع، مع أنه ليس من آل البيت ولا اسمه محمد ولا أبوه عبد الله، وكم في آل البيت من اسمه محمد واسم أبيه عبد الله وليس مهدياً.

فهذا عنده معلومات ولكنه مسكين، فأراد أن يطبقها على الواقع حتى يتخلص.

وهذه معاناة تعانيها الأمة، فهي تعاني من قضية الربط بين شيئين: بين واقع مشهود تلحظه بعينك، وهو الأمة وما فيها من ذل وهوان، وبين غيب منشود، وهذا الغيب ثبت في الأخبار أنه سيعلو، ولكن هؤلاء ما استطاعوا أن يربطوا ربطاً حقيقياً بين واقعهم وبين الأمل الذي ينتظرونه، فظهر في الأمة كثيرون لا داعي لذكر أسمائهم فتسموا بالمهدي، وبعضهم سمى بالمهدي على أمل أن يكون هو، ثم يموت، كبعض خلفاء بني العباس، ولكن أتى أقوام ويزعم الواحد منهم أنه المهدي، فالمهدي قال عنه عليه الصلاة والسلام: (يبايع له بين الركن والمقام)، وهذه واحده من مئات الصفات في المهدي، مثل رجل تبعثه برسالة أو بغيرها إلى أخ لك في حي آخر، فتقول له: هذا الذي أنا بعثتك إليه يسكن في عمارة مكونة من عشرة أدوار، ثم أخذت تصف كل دور ووصفت الباب ووصفت الجهة التي هو فيها، فهذا المسكين عندما ذهب وجد أول عمارة عشرة أدوار، فقال: هذه العمارة التي يقول عنها فلان، فالحمد لله أنني ما ضيعتها مع أنه قد يكون هناك مئات العمارات المكونة من عشرة أدوار.

ففتنة الحرم التي حصلت عام (١٤٠١) هـ أخذ أصحابها من الحديث كله أنه (يبايع له بين الركن والمقام)، فجاء الذي قام بالفتنة وجاء برجل اسمه محمد بن عبد الله وجعله بين الحجر الأسود والمقام، وأعطاه بيعة، واعتقد أن الشرط الوحيد الذي يبحث عنه قد حصل عليه، والأمور لا تفرض فرضاً هكذا، ولذلك قال بعض السلف قديماً: المهدي لا تبحث عنه؛ لأن حضوره ووقوعه حق لا ينكر، فهو إذا وجد سيأتي لا محالة، وسيتم أمره حتى لا يبقى أي لبس ولا شبهة في أنه المهدي، فلا يتعجل الإنسان ظهوره، فالمهدي شرط من أشراط الساعة، والناس فيه على ثلاثة أقسام: إما رجل على علم به، وهذا هو شأن علماء أهل السنة من حيث الجملة.

وإما غال في إثباته.

وإما منكر جاف في إنكاره.

وبيان هذا على الوجه التالي: فالذين غالوا في إثباته هم الذين كلما ظهرت حرب أو ظهرت معركة أو ظهر زعيم أو ظهر قائد أو انتصرت الأمة بعد نكسة قالوا: هذا هو المهدي، وهذا حصل في مصر وحصل في السودان وحصل في كثير من الدول الإسلامية، وحصل في جزيرة العرب في القرامطة، فكلما ظهر رجل وعلا قالوا: هذا هو المهدي.

والآخرون على العكس، حيث قالوا: هذا يضيع الأمة ويشتتها ويجعلها تتكل على غيبيات والدين، لم يأت بالغيبيات، فلا يوجد مهدي، ولا مهدي عندهم إلا عيسى ابن مريم، وممن نحى هذا المنحى ابن خلدون رحمه الله عليه -على علمه- في المقدمة، وتبعه عليه بعض العلماء المعاصرين، فأنكروا مسألة المهدي بالكلية، وهذا الأسلوب خطأ، فلا ترد السنة لوجود ناس لا يفقهون.

والذي عليه حفاظ الأثر كشيخي الصحيح مع أهل النظر أن المهدي حق سيقع، وأنه من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه الله جل وعلا سيصلحه في ليلة، وأن الرب تبارك وتعالى سيملأ به الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>