للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وفاؤه صلى الله عليه وسلم لأصحابه قبل موته]

والنبي صلى الله عليه وسلم في غدوه ورواحه وخروجه وولوجه بركة على الناس، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو لأهل القبور ويقول: (إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله ينورها على أهلها بصلاتي عليهم) صلوات الله وسلامه عليه، وصدق الله القائل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:١٠٣]، وكما صنع صلى الله عليه وسلم بشهداء أحد صنع بأهل بقيع الغرقد، فقد أتاهم وقال: (اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد)، وهؤلاء هم أصحابه الذين ماتوا ودفنوا في البقيع، وغالب من دفن في البقيع لم يكن ممن مات في المعارك؛ لأن أهل المعارك القتلى منهم والشهداء منهم يدفنون في مواطنهم، فقد دفن أهل بدر في بدر والقتلى في أحد في أحد، وأما المقبورون من الصحابة في البقيع فغالبهم ممن مات بصورة عادية ولم يكن قتيلاً أو شهيداً في معركة.

والمقصود أنه صلى الله عليه وسلم دعا لهؤلاء ودعا لهؤلاء، فهو حتى قبل أن يرحل من الدنيا أراد أن يكون وفياً مع أصحابه صلوات الله وسلامه عليه.

ثم أيها المباركون نتفيأ وإياكم ظلال قصيدة حسان: بطيبة رسم للرسول ومعهد منير وقد تعفو الرسوم وتهمد بها حجرات كان ينزل وسطها من الله نور يستضاء ويوقد ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم تجلى خصلة الوفاء فيه أكثر ما تجلت يوم قرب رحيله، خاصة عندما رأينا أنه صلى الله عليه وسلم أتى شهداء أحد، وأتى أهل بقيع الغرقد فاستغفر لهم كالمودع صلوات الله وسلامه عليه، ونجد أنفسنا لزاماً -حتى يستقيم العرض- أن نذكر تلك الأيام والليالي الأخيرة من حياته صلى الله عليه وسلم سرداً، ثم إن شاء الله تعالى في اللقاء القادم نعرج على قصيدة حسان ونربط كيف ننهل من نعيم السيرة العطرة والأيام النضرة، وما يمكن أن نستقيه من تلك الليالي والأيام التي كانت آخر ما عاشه صلى الله عليه وسلم من حياته المباركة.

<<  <  ج: ص:  >  >>