للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التعامل مع من لنا حق عليهم]

القسم الثاني: من لنا عليه حق: فهذا يجب أن نقبل تقصيره، بمعنى أن نعطيه حقه وأن نرفق به، وهنا تأتي قضية الخدم، فالخدم في الغالب لنا حق عليهم؛ لأننا نعطيهم أجرهم فهم أجراء.

لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إخوانكم خولكم)، وأمرنا ألا نكلفهم ما لا يطيقون، وبعض الناس عياذاً بالله يتصرف وكأنه لن يلقى الله جل وعلا، فعنده كثير من الظلم للأجراء سواء كانوا موظفين تحت يديه أو عمالاً في مكتبه، أو خادمة أو سائقاً أو عامل نظافة أو غير ذلك؛ فهو يجد في نفسه قوة سلطان وجبروت ملكه الله جل وعلا إياه، فيريد أن يستخدم ذلك السلطان والجبروت والقوة والحق في تكليفهم ما لا يطيقون.

مثلاً: ترى في بعض المطارات أن العائلة معها أبناؤها يطلبون من الخادمة -وهي امرأة عورة- أن تأخذ الحقائب من السير الذي يمر، فترى هذه الخادمة تتثنى فينظر إليها الرجال، وليس في العقد بينهم وبينها إلا أن تخدمهم في البيت، وليس للخادمة علاقة بأن تحمل حقائبكم وتضعها، ولو دفعوا مبلغاً زهيداً لذلك العامل المخصص لكان خيراً لهم من أن يلقوا الله جل وعلا وقد أذلوا امرأة بين الناس.

فالخادم والخادمة لا يغرنك منها أنها تعجز عن المطالبة بحقها، فبعضهن تستطيع أن تأخذ حقها بطريقة أو بأخرى لا تخفى على ذوي الألباب، لكن نحن لا نرقب ردة فعلها، فهذا لا ينبغي أن يكون هو الباعث على رفقنا بها، بل نفعل ذلك خوفاً من الله جل وعلا، أي لأن الله جل وعلا سيسألنا عنها.

(جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر أن لديه عمالاً يصنعون له أعمالاً كثيرة، وأنهم أحياناً يبخسونه وهو يرد عليهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنه سيأتي الله بك وبهم يوم القيامة، فإذا كان ما أخذته منهم بمقدار ما أخذوه منك، وإلا اقتص لك منهم أو اقتص لهم منك، فبكى الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الله، ألم تقرأ قول الله جل وعلا: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:٤٧])؟ كل من استظهر في قلبه وتيقن أنه سيلقى الله تردد كثيراً قبل أن يظلم أحداً دونه، ومن لم يرقب يوماً يلقى الله فيه فهو الذي يسرف في الظلم.

فرعون كان جبروته منطلقاً من أنه لم يرقب يوماً لقاء الله، لكن الصالحين من العباد المتقين من أهل الفضل هم الذين يرقبون لقاء الله قبل أن يقدموا على العمل.

وهنا يأتي ما قاله أحد الفضلاء من أن المدرسين مؤتمنون على الطلاب، فلا يجوز التقصير.

فالتقصير الذي يأتي عرضاً لسفر طارئ أو مرض مقعد أو ما أشبه هذا يعذر فيه المرء، لكن عندما يكون ديدن المعلم أن يدخل قاعة الدراسة وهو لا يعبأ بتعليمهم، ثم يعاقبهم على أدنى خطأ دون أن يحاول يوماً إصلاحهم، ويتشفى منهم إذا وضع الأسئلة، أو يريد أن ينتقصهم أو يجعل المسألة تصفية حسابات مع عائلتهم أو أسرتهم.

فنقول له: هذا كله من غياب الخوف من أن تلقى الله جل وعلا، وقد قلت: إنه لابد أن يكون الباعث في كل عمل نأتيه خوفك من لقاء الله، فإن الله جل وعلا أخبر أن يوم لقائه يوم عظيم وقد قال عمر رضي الله تعالى عنه لـ ابن عباس لما أثنى عليه: وإنني مع ما قلت لو كان لي ملء الأرض ذهباً لافتديت به من هوا المطلع.

فليس لقاء الله بالأمر الهين، والإنسان إذا أخبر أن وزيراً سيزور تلك الدائرة أو مديراً عاماً سيأتيها، وبينها وبين زيارة الوزير أو المدير ساعات أو أيام، يتغير حاله يتغير وضعه يتغير تعامله مع من حوله خوفاً من أن يبلغ ذلك المسئول، فكيف بلقاء الله.

ثم إن الله جل وعلا لا يحتاج أن يبلغه أحد، فالله جل وعلا أقرب شهيد وأدنى حفيظ.

استحضار هذا هو الذي يعين على أن يقوم الإنسان بالواجب الأكمل، فإذا غاب فمن باب أولى أن ترى الجبروت في القلوب والقسوة فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>