للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم صيام ما بعد النصف من شعبان وحكم إحياء ليلة النصف من شعبان بالعبادة]

أخت سألت عن حديث: (إذا انتصف شعبان) بالنسبة للصيام، وهذا أمر مهم جداً، فالبعض يعتقد في هذه الليلة أن لها أفضلية، وأيضاً: مسألة الصيام بعد انتصاف شعبان، لعلك تحرر هذه المسألة؟ نحن الليلة في ليلة النصف من شعبان، فأما عن فضل قيامها فلا أعلم فيه شيئاً يثبت، وأما ما جاء من أن الله يطلع على أهل الدنيا فيغفر، فهذا ثابت عنه صلى الله عليه وسلم، وقد صححه الألباني كما في الجامع الصحيح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كانت ليلة النصف من شعبان اطلع الله على أهل الأرض، فيغفر لكل أحد إلا مشرك أو مشاحن)، وفي هذا دلالة على تهذيب النفوس، وأن الإنسان يبتعد عن الغل والحقد والحسد، فهي مظنة لغفران الذنوب.

فهذه الليلة لا تحيا بأي نوع من أنواع العبادة، فالإنسان يقومها كما جرت عادته في الليل، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلم عن قيامها، ولم يقل مثلاً كما قال في ليلة القدر: (من قام ليلة القدر) أو قال: أحيوها، وإنما انتهى كلامه صلى الله عليه وسلم إلى أنها ليلة يطلع الله فيها على عباده فيغفر لهم، فهي مظنة قبول توبة ومظنة غفران، هذا الذي يمكن أن نستنبطه من الحديث.

وأما الصيام فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه أصحاب السنن: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)، واختلف العلماء أولاً في تصحيح الحديث، ثم في فقه الحديث، فالحديث صححه ابن حبان رحمة الله عليه، واستنكره الإمام أحمد، وقد قال بعض الشراح: إن الإمام أحمد استنكره لأن فيه العلاء بن عبد الرحمن، والعلاء بن عبد الرحمن من رجال مسلم، لكن قال فيه بعض العلماء: إنه صدوق يهم أحياناً.

والذي يعنينا أن من رأى صحة الحديث يرى كراهة صيام ما بعد النصف من شعبان، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله.

وهذا إذا لم يكن له عادة قبله، فإذا قرب رمضان بيوم أو يومين يرى الشافعي رحمه الله حرمة الصيام، وهذا عندي أقرب الأقوال للجمع بين الأدلة والأحاديث الواردة في الباب.

وبعض العلماء -كما ذكرنا عن الإمام أحمد - استنكر هذا الحديث؛ عملاً بعموم ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم ما رؤي في شهر أكثر منه صياماً من شعبان.

لكن النبي صلى الله عليه وسلم هديه صيام الإثنين والخميس، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، فقول الشافعي فيما يبدو لي أقرب الأقوال إلى الجمع بين الأحاديث؛ لأن شهر رمضان الأصل فيه التعبد بالصيام، فالذي يظهر من مجموع الأحاديث أنه لا يستقبل بصيام؛ حتى يصبح للشهر خصيصته، وينتهي الصيام إلى النصف منه، عملاً بالحديث الذي صححه ابن حبان: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)، لكن هذا الرأي كما قلت ليس أوحد، وقد قال بعض العلماء بخلافه ولهم أدلتهم، والإنسان من عامة المسلمين المستفتي على دين مفتيه، فلا ينكر على من صام أكثر من النصف، لأن الذي قال بهذا هم علماء أجلاء، ومن احتاط ورأى أنه لا يصوم عملاً بأنه حديث صحيح فهذا فعل خيراً.

والبعض يعلل الكثرة من صيام شعبان أنه استقبال لهذه العبادة، فصلاة الظهر مثلاً تستقبل بنافلة، ونقول: العبرة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من صيام شعبان ويقول: (إنه شهر يغفل الناس عنه) فهذا حق، لكن يمكن الجواب عنه بأن هذا في الخمسة عشر يوماً الأولى منه؛ عملاً بحديث: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)، لكن قلت: إن الشافعية حملوا هذا الحديث على الكراهة، وإنما جعلوا التحريم قبل صوم رمضان، لكن قال بعض العلماء: من كان له صيام اعتاده كصيام الإثنين والخميس فلا يدخل في هذا النهي، والأمر واسع إن شاء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>