للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بر الوالدين والفرق بين البر والمصاحبة بالمعروف]

ثم قال الله جل وعلا: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:١٤].

ولا حاجة هنا للحديث عن بر الوالدين فهذا معروف، لكن قول لقمان: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان:١٥] هو موضع الشاهد.

فهناك أربعة أمور: بِر ومودة في آن واحد، وهناك مصاحبة، وهناك مداهنة.

المودة لا تجوز إلا مع المؤمن، وأرقى منها البر لمن له حق، لكن المودة مخلوطة بمحبة، ولا تجوز إلا مع مؤمن أو مؤمنة؛ فإذا كان الطرف الثاني كافراً لكن له حق كالأب أو الأم أو الأخت أو الخالة أو الجار فهذا التعامل معه يسمى مصاحبة؛ لأن الله قال: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:١٥].

وقوله: {عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [لقمان:١٥] هذا قيد أغلبي لا مفهوم له؛ لأنه لا يوجد شرك فيه علم، ومثله في القرآن قول الله جل وعلا في آخر سورة المؤمنون: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون:١١٧] فلا يوجد إله غير الله معه برهان، وإنما هذا قيد أغلبي لا مفهوم له.

المقصود من الآية أنه إذا كان الكافر له حق كالجار أو كالوالد أو كالوالدة، كمن أمه نصرانية أو يهودية، فهو يصاحبها في الدنيا بالمعروف، كحديث العهد بالإسلام أو من أسلم من عائلة كافرة فتعامله مع أبويه يسمى مصاحبة، ويتأكد هذا في حق الوالدين، ثم يقل تدريجياً فيمن له حق بعدهما، ولا يسمى بِرًّا ولا مودة؛ لأن البر والمودة يشترط فيهما المحبة، وإن كان البر جاء في تعبير القرآن فيما لا يشترط فيه المحبة، لكن إذا أطلق يراد به ما يشترط فيه المحبة.

أما المداهنة: فهي التنازل عن أصل شرعي كالتنازل عن أمر عقدي، وهذا لا يجوز بأي حال من الأحوال، وهو الذي قال الله فيه: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:٩] وهو الممنوع شرعاً.

قال الله جل وعلا في هذه الآيات: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان:١٤] هذا للرضيع، لما ذكر الله جل وعلا قضية الولادة ذكر أن فصال المولود في عامين، وقد فهم العلماء منها أن مدة الرضاعة أربعة وعشرون شهراً، وقد قال الله في آية أخرى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف:١٥] فجمعوا بين الآيتين فاتضح أن أقل مدة الحمل ستة أشهر؛ لأن أعلى الرضاعة سنتان: أربعة وعشرون شهراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>