للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من أعلام القرآن ذو القرنين]

هناك كتاب ظهر لدكتور اسمه حمدي أبو زيد اسمه: فك أسرار ذي القرنين ويأجوج ومأجوج، والكتاب فيه فرضيات وأمور كبيرة جداً، وحمدي أبو زيد مؤلف سعودي وعضو في مجلس الشورى، والكتاب مطبوع لمن أراد أن يتوسع.

وسوف نتحدث عن ذي القرنين من جانب القرآن لا من جانب الفرضيات المعاصرة، فنقول: ذو القرنين عبد صالح، وهو أحد من اختلف فيهم كما ذكر السيوطي وغيره.

قال الله جل وعلا: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} [الكهف:٨٣] والسائل قريش بناء على إيعاز من اليهود.

قال الله: {قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف:٨٣] ومِن هذه تبعيضية، أي لن أقول لكم كل شيء عن ذي القرنين؛ لأن القرآن ما أنزل بهذا.

واسمه ذو القرنين، وذو بمعنى صاحب، قال الله جل وعلا: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} [الأنبياء:٨٧] أي وصاحب الحوت، وهذا الاسم جعل بعض المؤرخين يقول: إنه من اليمن؛ لأنه اشتهر في ملوكهم التسمية بكلمة ذو كذا، وقيل غير ذلك.

واختلف في السبب الذي سمي من أجله ذا القرنين.

فقيل: لأنه حكم المشرق والمغرب.

وقيل: لأنه حكم فارس والروم.

وقيل: كانت له ظفيرتان والقرآن سكت عن هذا، والبحث عنه نوع من التكلف، لكنه مضمار تجري فيه أقدام العلماء، والذي يعنينا في قضية ذي القرنين كمال عقليته.

وكمال عقلية هذا الإنسان تظهر في أمور عدة: من أهمها أنه يختلف تصرفه باختلاف من أمامه، فـ ذو القرنين مر في حربه وغزواته على أمم، هذه الأمم تتفاوت في عقلها وقدرتها وعلمها، فكان تعامله معها يختلف من أمة إلى أمة كل بحسب عقله، قال الله جل وعلا: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف:٨٦] فبعض المؤلفين نظر من هذا الباب إلى أن ذا القرنين وصل إلى مغرب الشمس.

وهذا غير لازم؛ لأن الله قال: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف:٨٦] فأسند الوجد إلى ذي القرنين ولم يسنده إلى الشمس، والمعنى أن كل إنسان يرى مغرب الشمس بحسب الحال التي هو فيها، فمن مكث في شاطئ البحر يرى الشمس تغيب في البحر، ومن مكث في صحراء نجد مثلاً يرى الشمس تغيب في الصحراء، ومن مكث في جبال الحجاز أو جبال تهامة يراها تغيب في الجبال فكل إنسان بحسب مكانه يرى مغيب الشمس، فقول الله جل وعلا: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف:٨٦] معناه أنه وصل إلى منطقه فيها عين حمئة يجد الشمس تغرب بعدها.

ويحتمل أنه وصل إلى مغرب الشمس لكن لا يلزم ذلك من الآية.

قال تعالى: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} [الكهف:٨٦] وهناك مثل عند العامة يقولون: لا يجوع الذئب ولا تفنى الغنم، فإذا كان الطلاب كلهم يطمعون أن ينجحهم المعلم فهو غير ناجح، وإن كان الطلاب كلهم يائسون من أن ينجحهم فهو معلم غير ناجح، لكن المعلم الموفق يكون الطلاب منه على خوف ورجاء.

والرجل في بيته إذا كانت الزوجة لا تخاف منه على كل حال أو ترجوه على كل حال لم يصب في قضية سياسته لبيته، فهنا قال الله جل وعلا عن هذا الملك الموفق: {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا * قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} [الكهف:٨٦ - ٨٨] فيظهر أن هذه الأمة التي وصل إليها ذو القرنين تحتاج إلى هذا النوع من السياسة في الحكم.

ثم قال الله جل وعلا: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ} [الكهف:٩٠] ولم يذكر الله خبره معهم، قال: {وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا} [الكهف:٩١].

ثم ذكر الله أقواماً فقال: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً} [الكهف:٩٣] يعني ليس لهم عقول فلما كانوا كذلك لهم عقول لم يعذب ولم يكافئ؛ ودلالة أنهم لا يفهمون أنهم قالوا: {يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} [الكهف:٩٤] وذلك أنهم يرون ملكاً عظيماً قد ساد الدنيا وتنقل في الأمصار وحوله جيوش ومعه أموال ووزراء، والله يقول: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ} [الكهف:٨٤] ثم يأتي هؤلاء الضعفاء ويقولون له: إذا فصلت بيننا وبين يأجوج ومأجوج فسوف نعطيك أجراً، ولا يعقل أن يقبل ملك كهذا من هؤلاء الضعفاء أجراً، ولهذا قال الله: {لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} [الكهف:٩٣].

فأجابهم ذو القرنين: {قَالَ مَا مَكَّنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} [الكهف:٩٥] يعني ما أنا فيه خير، ولا أريد منكم أموالاً.

ولما كانوا ليس لهم عقول وظفهم في الخدمة؛ لأن القوة البدنية لا تحتاج إلى عقل، قال: {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} [الكهف:٩٥] ولذلك فإن بعض القطاعات في بعض الدول يختارون نوعية من الحرس الذي يضرب فقط ولا يفهم ولا يستطيع الناس أن يفهموه، بل يكون مسيراً ينفذ الأوامر بلا تعقل.

وفي عهد بني أمية في أيام الصراع بين عبد الملك بن مروان وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: جاء عبد الملك لرجل فأعطاه أموالاً وقال له: اقتل ابن الزبير، قال: إذا قتلنا ابن الزبير سوف تنفرد في الملك، وابن الزبير يموت شهيداً، وأنا لم أحصل على شيء لا ملك في الدنيا ولا شهادة للآخرة، بل ألقى الله وأنا قاتل نفس.

ولست بقاتل رجلاً يُصلي على سُلطان آخر من قريشِ له سُلطانه وعليَّ إثمي معاذ الله من جهل وطيشِ فـ ذو القرنين قال الله جل وعلا عنه: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ} [الكهف:٨٤]، وهذا التمكين شيء من الله يعطيه من يشاء، وإذا أراد الله بعبد خيراً سخّر له خلقه، قال الله: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:٣١] وإذا أراد الله بعبد سوءاً قتله بأقرب أنصاره إليه.

هذا الذي يمكن أن يستفاد من حديث ذي القرنين عموماً.

هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده وأعان الله على قوله.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>