للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكايتان في الابتلاء والافتتان بالدنيا]

يقولون في الأمثال الدارجة: إن رجلاً فقيراً رأى امرأة حسناء، فقال لها: أريد أن أتزوجك، فوافقت، وهو غير مصدق أنها ستقبله، فأخذها إلى المأذون ففتن بها المأذون فعرض عليها نفسه، فأقبلت عليه وتركت الفقير.

فذهب الفقير فاشتكى المأذون إلى القاضي، فلما أحضر الثلاثة فتن القاضي بها أعظم من فتنة المأذون، فطلبها لنفسه، فذهب المأذون والفقير يشكوان القاضي إلى الوالي، فقال الوالي: أين هذا القاضي الذي يراد به الخير فيجبل الناس على الشر؟ فلما رآها الأمير ازداد بها فتنة وطلبها لنفسه.

فذهبوا إلى العامة حتى يستعينوا بهم على الأمير، فكل رجل من العامة أخذ يطلبها لنفسه، ففرت من أمامهم وهي تقول: أنا الدنيا؛ الكل يطلبني ولست مكتوبة لأحد! إن هذه هي الدنيا لا يوجد أحد إلا ويتعلق بها، وهي تفر من الجميع، فكلما أتعبت نفسك وراءها ابتعدت، وإن تركتها ستأتيك وهي راغمة، وإن جريت وراءها فلن تنال منها إلا ما كتب لك.

كان رجل من الصالحين مسافراً على ناقة فيها خطام، فأدركته الصلاة وقد خرج الناس، فأراد أن يصلي في مسجد لكنه خاف على الناقة، فنادى غلاماً وقال له: اقبض لي الناقة حتى أصلي ركعتين وأعود، فدخل يصلي، فأخذ الغلام الخطام وشرد به، فخرج الرجل ووجد الناقة ولم يجد الخطام ولم يجد الغلام، فعرف أنه سرقه، وقبل أن يخرج الرجل من المسجد أخرج دينارين، ليكافئ بهما ذلك الغلام، فلما وجد الناقة بدون خطام رد الدينارين في جيبه، وذهب إلى السوق ليشتري خطاماً، فوجد نفس الخطام عند أحد الباعة واشتراه بدينارين وأخذ الخطام، فقال الرجل: لا إله إلا الله، سبحان الله، والله أكبر، يأبى ابن آدم إلا أن يستعجل الرزق.

قال: لو صبر لأخذ الدينارين حلالاً، لكنه استعجل وأخذهما حراماً، وهذا هو سوء الظن برب العالمين جل جلاله.

<<  <  ج: ص:  >  >>