للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وصدق صلى الله عليه وسلم]

نعود إلى قضية الغيب، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اثبت أحد، فإنما عليك نبي -يقصد: نفسه- وصديق -يقصد: أبا بكر -)، وأبو بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه لم يمت مقتولاً، بل مات مريضاً، والمشهور عن أهل العلم: أنه أكل طعاماً مع الحارث بن كلدة طبيب العرب المشهور في وقت واحد، فبينما هو يأكل قال له الحارث وقد أكل معه: أنزل يدك يا خليل رسول الله! فالذي أكلنا سم سنة، هذا طبيب يقول هذا، يعني: ما أكلناه أنا وأنت سم عام، قال أهل التاريخ: إن الحارث بن كلدة طبيب العرب المشهور وأبا بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه ماتا في يوم واحد على الحول الذي أكلا فيه تلك الأكلة، وهذا -إن صح- يدل على أن الحارث أعطي حظاً كبيراً من الطب والعلم ومعرفة ما يؤكل، وهذه أمور تجريبية إذا أمعن الإنسان فيها النظر والتأمل الفنون العلمية تعتمد على كثرة التأمل والمطالعة وإدمان النظر، كما قال هذا أو قريب منه البخاري في تعريفه لطلب العلم.

أما عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه فقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيموت شهيداً وقد مات شهيداً، طعنه أبو لؤلؤة المجوسي كما هو معروف مشهور في محراب نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد كان عمر يقول قبل أن يقتل: اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك وميتة في بلد رسولك.

ويقال: إن بعض الصحابة وبعض من حوله من التابعين كانوا ينازعون عمر رضي الله عنه في هذه الكلمة ويقولون: يا أمير المؤمنين! إن الشهادة مظانها ساحات الجهاد وليست في المدينة؛ لأن المدينة ديار إسلام محمية ليس فيها كفار، أو ليس فيها محاربون من أهل الكفر، لكن عمر كان يصر على دعائه، وقد أعطاه الله جل وعلا لصدق نيته وعظيم جهاده ما تمناه فمات شهيداً في محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحقق له ما أراد رضي الله عنه وأرضاه.

أما عثمان رضي الله عنه وأرضاه فقد قتل في المدينة، قتله الخوارج بعد أن تسوروا داره وقتلوه، فهو أمير البررة والذين قتلوه فسقة فجرة، ويصعب أن نقول بكفرهم، وإن كان بعضهم قد يكفر من استحل دمه، فـ عثمان رضي الله تعالى عنه مات شهيداً، والمقصود من هذا: أن هذا بعض الغيب الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم ماتوا شهداء كما أخبر صلوات الله وسلامه عليه.

هذا ما تحرر إيراده وتيسر إعداده حول قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اثبت أحد! فإنما عليك نبي، وصديق، وشهيدان).

وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>