للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قصة أصحاب الكهف وبيان ما ذكره الله عز وجل من خبرهم]

هنا يقول الله: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف:١٧]، أي: أهل الكهف، {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ} [الكهف:١٧]، وهل وقع هذا؟ أي: عدم إصابتهم بالضرر من الشمس، نعم وقع؛ لأن الهيئة الجغرافية للكهف تحول من وقوع ذلك، أو أن الرب تبارك وتعالى والشمس مأمورة مخلوقة من مخلوقاته بقدره جل وعلا لم يجعل لها ضرراً عليهم، والثاني هو الأرجح؛ لأن القرينة تدل عليه، قال الله جل وعلا بعدها: {ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف:١٧].

فجعل الله جل وعلا من ازورار الشمس عنهم حال طلوعها، وأنها تقرضهم أي: تقطع عنهم حال غروبها، رحمة بهم حتى لا يصيبهم ضرر، وحتى يبقي الله جل وعلا على نومهم مدة أطول، وقد قال الله جل وعلا: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ} [الكهف:١١]، والضرب في اللغة: اللزوم والالتصاق، ومنه قول الفرزدق: ضربت عليك العنكبوت بنسجها وقضى عليك به الكتاب المنزل أو المنذري الذي يعنينا هنا: هذا معنى قول الله: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} [الكهف:١١].

والضرب على الآذان حتى يبقي الله جل وعلا على نومهم مدة طويلة؛ لأن الإنسان إذا رزق أنه لا يسمع في منامه كان ذلك أدعى أن يبقى على نومه؛ ولهذا من بدهيات الطرائق في إيقاظ النائم: أن ينادى، فإذا وصل إليه الصوت استيقظ من نومه، قال الله جل وعلا هنا: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} [الكهف:١١ - ١٢].

ذكر الله جل وعلا فيما كنا فيه أن الشمس: {تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ} [الكهف:١٧]، ثم ذكر الله جل وعلا: كيف أن كلبهم باسط ذراعيه بالوصيد، والكلب ليس حيواناً محموداً، لكنه هنا لما صحب الأخيار ارتقى إليهم، ومن هنا يفقه العاقل ويعرف المنصف أنه ينبغي عليه أن يتأسى بالأخيار وأن يكون قريباً منهم عله أن يصيبه شيء مما تحلوا به.

قال ربنا جل وعلا: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} [الكهف:١٨]، وهنا يكثر

السؤال

من المفترض مراعاة للنسق القرآني: أن الإنسان يمتلئ رعباً أولاً ثم يلوذ بالفرار ثانياً، وهنا قال: {لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} [الكهف:١٨]، وكأن الآية تروم الوصول إلى معنى أعظم: وهو أن الإنسان إذا رآهم: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} [الكهف:١٨]، إذا رآهم لا يلبث أن يفر قبل أن يتخذ أي ردة فعل من مرآهم، فتسبق خطواته طرائق تفكيره، وقبل أن يدب الرعب في القلب تكون قدماه قد اتخذت قراراً بالفرار لهول ما رآه، وقول الله جل وعلا: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} [الكهف:١٨]، ظاهره -والعلم عند الله- أنهم كانوا ينامون وأعينهم مفتوحة، وهذا وصف كانت العرب تطلقه على الذئب، فالعرب تزعم أن الذئب ينام وإحدى عينيه مفتوحة، يقول قائلهم: ينام بإحدى مقلتيه ويتقي بأخرى المنايا فهو يقظان نائم

<<  <  ج: ص:  >  >>