للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خطبة المسجد الحرام - ١٨ جمادى الأولى ١٤٣٢ - آداب النوم والاستيقاظ - الشيخ صالح آل طالب

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عزَّ عن الشبيه وعن النِّدِّ وعن المثيل وعن النظير، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: ١١]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيُّه من خلقه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله التي لا يقبَلُ غيرَها، ولا يرحمُ إلا أهلَها، ولا يُثيبُ إلا عليها؛ فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة: ١٩٧]، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى، واعلموا أنكم غدًا مُحاسَبون، وبأعمالكم مَجزيُّون، وأن أجسادكم لا تصبر على حرِّ النار ولا تقوَى.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر: ١٨].

أيها المسلمون:

لم يترُك النبي - صلى الله عليه وسلم - خيرًا إلا دلَّنا عليه، ولا بابًا للجنة إلا عرَّفنا طريقَه، ولا سببًا للسعادة والهناء إلا أرشدَنا له وحثَّنا عليه، وفي ذات الوقت ربَّانا على لزوم السُّنن، وعلَّمَنا الآداب، وأرادنا أن نكون على مُراد الله في كل الأحوال؛ في منامنا ويقظَتنا، في مِحراب التعبُّد أو في ميدان السعي للدنيا، أن يكون حالُنا ومُنقلبُنا لله، قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام: ١٦٢]، وهذه هي غاية العبودية، والعبودية هي الغاية.

أيها المسلمون:

لا يخلو الإنسان أن يكون في حالِ يقظةٍ أو حال نومٍ، يتقلَّبُ بينهما كما يتقلَّبُ الليل والنهار، والنومُ حالٌ عجيبٌ من أحوال الإنسان، وآيةٌ من آيات الله العِظام، وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ [الروم: ٢٣].

ويُشكِّلُ النومُ جزءًا كبيرًا من اهتمام الناس، فيتخِذون له الفُرش والأثاث، ويتهيَّأون له بالوسائل والأحوال، ويتحكَّم في أوقاتهم ومعاشِهم، وإذا اختلف بزيادةٍ أو نقصٍ أثَّر على صحة الإنسان بدنيًّا ونفسيًّا، وبذَلَ للعلاج الكثيرَ من الأموال، والإنسانُ يُمضِي ثُلُثَ حياته في النوم.

ومن هنا جاءت الآداب النبوية والسنن المحمدية بالإرشاد والتوجيه، حتى يكون منامُنا طاعة ونومُنا عبادة، والتزامُ هذه السنن سببٌ للأجر، ومُعينٌ على القيام لصلاة الفجر، والنشاط في سائر اليوم، والبُعد عن الوساوس والأحلام المُزعِجة، والأمراض النفسية.

وهذه السنن والآداب - على أهميتها وعظيم أجر فاعلها - قد أعرض كثيرٌ من المسلمين عنها جهلاً أو تكاسُلاً، أو زُهدًا فيما عند الله من ثواب.

وإليكم - أيها المسلمون - طائفةً مما صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من سُنن النوم وآدابه، فيها الخير والسعادةُ في الدنيا والآخرة:

فأول ذلك: ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من التبكير في النوم؛ فعن أبي بَرزةَ - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكره النومَ قبل العشاء، والحديثَ بعدها؛ أخرجه البخاري ومسلم.

ثم الوِتر قبل النوم لمن خشِيَ ألا يقومَ آخر الليل؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أوصاني خليل - صلى الله عليه وسلم - بثلاث: بصيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهر، وركعتَيْ الضُّحَى، وأن أُوتِر قبل أن أرقُد؛ أخرجه مسلم.

ومن الآداب: إطفاءُ النار، وتخميرُ الإناء، وإغلاقُ الأبواب؛ عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أطفِئوا المصابيح إذا رقدتُم، وغلِّقوا الأبواب، وأوكُوا الأسقِية، وخمِّروا الطعام والشراب - وأحسِبُه قال: ولو بعودٍ تعرِضُه عليه -»؛ أخرجه البخاري ومسلم.

وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تترُكوا النار في بيوتكم حين تنامون»؛ أخرجه البخاري ومسلم.

وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: احترق بيتٌ بالمدينة على أهله من الليل، فحُدِّث بشأنهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: «إن هذه النار إنما هي عدوٌّ لكم، فإذا نِمتُم فأطفِئوها عنكم»؛ أخرجه البخاري ومسلم.

ومن الآداب: عدمُ النوم على مكانٍ مُرتفعٍ بلا حواجز؛ عن علي بن شيبان - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من باتَ على ظهر بيتٍ ليس له حِجارٌ فقد برِئَت منه الذِّمَّة»؛ أخرجه أبو داود، وله عدةُ شواهد.

ومن الآداب: غسلُ اليد والفم من أثر الأكل والدَّسَم ونحوه؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من نامَ وفي يده غَمَرٌ ولم يغسِله فأصابَه شيءٌ، فلا يلومنَّ إلا نفسَه»؛ أخرجه أبو داود.

ومن السنن: الوضوء قبل النوم؛ عن البراء بن عازبٍ - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أتيتَ مضجِعك فتوضَّأ وضوءَك للصلاة»؛ أخرجه البخاري ومسلم.

ويُسنُّ الوضوء أيضًا حتى ولو كان الإنسان جُنُبًا؛ عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سأل رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: أيرقُد أحدُنا وهو جُنُب؟ قال: «نعم، إذا توضَّأ أحدكم فليرقُد وهو جُنُب»؛ أخرجه البخاري ومسلم.

ومن آداب النوم: نفضُ الفراش والتسمية؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أوى أحدُكم إلى فراشه فليأخذ داخِلة إزاره، فلينفُض بها فِراشه وليُسمِّ الله؛ فإنه لا يعلمُ ما خلَفَه بعده على فِراشه»؛ أخرجه البخاري ومسلم.

ويحرِصُ المسلمُ على التستُّر حتى لا تنكشِفَ عورتُه وهو نائمٌ؛ عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يستلقِيَنَّ أحدكم ثم يضعُ إحدى رجلَيْه على الأخرى»؛ أخرجه مسلم.

ومن الآداب: تباعُد النائمين عن بعضهم؛ فعن عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جدِّه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مُروا أولادَكم بالصلاة وهم أبناءُ سبع سنين، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عشرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجِع»؛ أخرجه أحمد وأبو داود.

ومن السنن: كتابةُ الوصية؛ فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما حقُّ امرئٍ مسلمٍ له شيءٌ يُوصِي فيه يبيتُ ليلتين إلا ووصيتُه مكتوبةٌ عنده»؛ أخرجه البخاري ومسلم.

وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النوم على البطن، وقال: «إنها ضَجعةُ أهل النار»، وقال: «إنها ضَجعةٌ يُبغِضُها الله - عز وجل -»؛ رواه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً مُضطجِعًا على بطنه، فقال: «إن هذه ضَجعةٌ يُبغِضُها الله ورسولُه»؛ أخرجه الترمذي.

أيها المسلمون:

ومن السنة: النوم على الشِّقِّ الأيمن؛ فعن البراء بن عازبٍ - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أتيتَ مضجِعك فتوضَّأ وضوءَك للصلاة، ثم اضطجِع على شِقِّك الأيمن»؛ أخرجه البخاري ومسلم.

ومن السنة: وضعُ اليد تحت الخدِّ؛ فعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: كان - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ مضجِعَه من الليل وضع يدَه تحت خدِّه؛ أخرجه البخاري.

عباد الله:

هذه بعضُ السنن العملية، وإليكم طائفةً أخرى من الأدعية والأذكار التي صحَّت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحرِيٌّ بكل مسلمٍ أن يحفَظَها ويتلُوها ويجعلها وِردَه وطمأنينة قلبه، وذِكرُ الله مطلوبٌ عند النوم؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من اضطجَع مضجِعًا لا يذكرُ اللهَ فيه كانت عليه من الله تِرة»؛ أخرجه أبو داود.

ومن هذه الأذكار: قراءةُ آية الكرسي؛ ففي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الطويل، قال: إذا أويتَ إلى فِراشك فاقرأ آيةَ الكرسي؛ فإنه لن يزالَ عليك من الله حافظٌ ولا يقربُك شيطانٌ حتى تُصبِح. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صدَقَك وهو كذوبٌ، ذاك شيطان»؛ أخرجه البخاري ومسلم.

ومن الذِّكر قبل النوم: التسبيحُ ثلاثًا وثلاثين، والحمدُ ثلاثًا وثلاثين، والتكبيرُ أربعًا وثلاثين، وفيه حديثُ علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وشكوى فاطمة - رضي الله عنها - ما تلقى من الرَّحَى مما تطحَن، وطلبَت خادمًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أدلُّكما على خيرٍ مما سألتُماه؟ إذا أخذتُما مضاجِعكما فكبِّرا اللهَ أربعًا وثلاثين، واحمدَا ثلاثًا وثلاثين، وسبِّحا ثلاثًا وثلاثين؛ فإن ذلك خيرٌ لكما مما سألتُماه»؛ أخرجه البخاري ومسلم.

عباد الله:

ومن الدعاء الذي كان يقوله - صلى الله عليه وسلم -: ما رواه حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أوى إلى فِراشه قال: «باسمك اللهم أموتُ وأحيا»، وإذا قام قال: «الحمدُ لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور»؛ أخرجه البخاري.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أوى أحدُكم إلى فِراشه فلينفُض فِراشه بداخِلَة إزاره؛ فإنه لا يدري ما خلَفَه عليه، ثم يقول: باسمك ربي وضعتُ جنبي وبك أرفعُه، إن أمسكتَ نفسي فارحمها، وإن أرسلتَها فاحفظها بما تحفَظ به عبادَك الصالحين»؛ أخرجه البخاري ومسلم.

وعن ابن عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا أخذ مضجِعَه: «الحمدُ لله الذي كفاني وآواني، وأطعمني وسقاني، والذي منَّ عليَّ فأفضَلَ، والذي أعطاني فأجزَل، الحمدُ لله على كل حال، اللهم ربَّ كل شيءٍ ومليكَه وإلهَ كل شيءٍ، أعوذ بك من النار»؛ أخرجه أبو داود، وصحَّحه ابن حبان والنووي.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن أبا بكرٍ الصِّدِّيق - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله! مُرني بكلماتٍ أقولهنَّ إذا أصبحتُ وإذا أمسيتُ، قال: «قل: اللهم فاطر السماوات والأرض، عالمَ الغيب والشهادة، ربَّ كل شيءٍ ومليكَه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شرِّ نفسي وشرِّ الشيطان وشِرْكِه، قُلها إذا أصبحتَ وإذا أمسيتَ وإذا أخذتَ مضجِعَك»؛ أخرجه أبو داود.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتَت فاطمةُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - تسألُه خادمًا، فقال لها: «قولي: اللهم ربَّ السماوات وربَّ الأرض، وربَّ العرش العظيم، ربَّنا وربَّ كل شيءٍ، فالقَ الحبِّ والنوى، ومُنزِل التوراة والإنجيل والفُرقان، أعوذ بك من شرِّ كل شيءٍ أنت آخِذٌ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخِرُ فليس بعدك شيء، وأنت الظاهرُ فليس فوقَك شيء، وأنت الباطنُ فليس دونَك شيء، اقضِ عنا الدَّيْن، وأغنِنا من الفقر»؛ أخرجه مسلم.

وعن البراء بن عازبٍ - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام توسَّد يمينَه ويقول: «اللهم قِني عذابَك يوم تجمعُ عبادَك»؛ أخرجه أحمد والترمذي، وعندهما عن حفصة أيضًا.

وعن أنسٍ - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فِراشه قال: «الحمدُ لله الذي أطعمَنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافِيَ له ولا مُؤوِي»؛ أخرجه مسلم.

وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول عند مضجعه: «اللهم إني أعوذ بوجهِك الكريم، وكلماتك التامة من شر ما أنت آخِذٌ بناصيته، اللهم أنت تكشِفُ المغرَمَ والمأثَمَ، اللهم لا يُهزَمُ جندُك، ولا يُخلَفُ وعدُك، ولا ينفعُ ذا الجدِّ منك الجَدُّ، سبحانك وبحمدك»؛ أخرجه أبو داود.

وعن البراء بن عازبٍ - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أتيتَ مضجِعك فتوضَّأ وضوءَك للصلاة، ثم اضطجِع على شقِّك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمتُ وجهي إليك، وفوَّضتُ أمري إليك، وألجأتُ ظهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا منجَا منك إلا إليك، اللهم آمنتُ بكتابك الذي أنزلتَ، وبنبيِّك الذي أرسلتَ»، قال: «فإن متَّ من ليلتك فأنت على الفِطرة، واجعلهنَّ آخر ما تتكلَّم به»؛ أخرجه البخاري ومسلم.

أيها المسلمون:

وقد يعرِضُ للمسلم ما يُخيفُه ويُفزِعُه، فإذا وجدَ ذلك فليستعِذ بالله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا فزِعَ أحدُكم من النوم، فليقُل: أعوذ بكلمات الله التامات من غضبِه وعِقابه وشرِّ عباده، ومن هَمَزات الشياطين وأن يحضُرون؛ فإنها لن تضُرَّه»؛ أخرجه أبو داود، وحسَّنه الترمذي وابن حجر.

وللرؤيا والأحلام آدابٌ وسُنن؛ عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الرُّؤيا من الله، والحُلم من الشيطان، فإذا أرى أحدُكم شيئًا يكرهه فلينفُث عن يساره ثلاثَ مرات، ثم ليتعوَّذ من شرها، فإنها لا تضرُّه»؛ أخرجه البخاري ومسلم.

وعن جابر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا رأى أحدُكم الرؤيا يكرهُها، فليبصُق عن يساره ثلاثًا، وليستعِذ بالله من الشيطان ثلاثًا، وليتحوَّل عن جنبه الذي كان عليه»؛ أخرجه مسلم.

الله بارِك لنا في القرآن والسنة، وانفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله وليِّ المؤمنين، والعاقبةُ للمتقين، ولا عُدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادقُ الأمين، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها المسلمون:

وإذا انتبَه المسلم من الليل فيُسنُّ له أن يذكُر اللهَ تعالى ويدعوَه، فإنه حرِيٌّ بالإجابة؛ عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ وهو على كل شيءٍ قدير، الحمدُ لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا استُجيبَ له، فإن توضَّأ وصلَّى قُبِلَت صلاتُه»؛ أخرجه البخاري.

وعن مُعاذ بن جبل - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من مسلمٍ يبيتُ على ذِكرٍ طاهرًا فيتعارُّ من الليل، فيسأل الله خيرًا من الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه»؛ أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه.

ومن السنة: قراءةُ آخر سورة آل عمران إذا قام ليلاً؛ عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال في حديثه: فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتصَفَ الليل أو قبله بقيل أو بعده بقليل، ثم استيقظَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلسَ فمسحَ النومَ عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر آياتٍ خواتيم سورة آل عمران؛ أخرجه البخاري ومسلم.

ومن السنة: السواكُ بعد النوم؛ عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يشُوصُ فاهُ بالسواك؛ أخرجه البخاري ومسلم.

وعن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُوضَع له وَضوؤه وسِواكُه، فإذا قام من الليل تخلَّى ثم استاكَ؛ أخرجه أبو داود.

وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا ينامُ إلا والسواك عنده، فإذا استيقظَ بدأ بالسِّواك؛ أخرجه أحمد.

ومن السنة: الذِّكرُ بعد الاستيقاظ؛ عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ مضجِعه من الليل وضع يدَه تحت خدِّه ثم يقول: «اللهم باسمك أموت وأحيا»، وإذا استيقظَ قال: «الحمدُ لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور»؛ أخرجه البخاري.

ومن السنة أيضًا: غسلُ اليد ثلاثًا قبل استعمالها؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا استيقظَ أحدُكم من نومه، فليغسِل يدَه قبل أن يُدخِلَها في وُضوئه؛ فإن أحدَكم لا يدري أين باتَت يدُه»؛ أخرجه البخاري.

عباد الله:

ومن أراد النشاطَ وانشراحَ الصدر وطِيبَ النفس بعد الاستيقاظ من النوم؛ فليُبادِر إلى ذكر الله، ثم إلى الوضوء والصلاة؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يعقِدُ الشيطانُ على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عُقَد، يضربُ مكان كل عُقدةٍ: عليك ليلٌ طويلٌ فارقُد، فإن استيقَظ فذكرَ الله انحلَّت عُقدَة، فإن توضَّأ انحلَّت عُقدَة، فإن صلَّى انحلَّت عُقَدُه فأصبح نشيطًا طيبَ النفس، وإلا أصبح خبيثَ النفس كسلان»؛ أخرجه البخاري ومسلم.

أيها المسلمون:

هذه أربعون حديثًا مما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي الصحيح كثيرٌ غيرُها، أسأل الله تعالى أن ينفع بها قائلَها وسامِعَها، وأن يُعينَنا على تطبيقها والتزامها.

اللهم وفِّقنا لهُداك، واجعلنا نخشاك كأنا نراك، واجعلنا مُتَّبعين لسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم -، اللهم أورِدنا حوضَه، وارزُقنا شفاعتَه، واحشُرنا تحت لوائه.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ أو فُرقة فرُدَّ كيدَه في نحره، واجعل تدبيرَه دمارًا عليه.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، وهيِّئ له البِطانة الصالحة، وأتِمَّ عليه الصحةَ والعافيةَ، اللهم وحِّد به كلمةَ المسلمين، وارفع به لواءَ الدين، اللهم وفِّق وليَّ عهده والنائبَ الثاني وإخوانهم وأعوانهم لما فيه الخيرُ للعباد، واسلُك بهم جميعًا سبيل الرشاد، وكن لهم جميعًا مُوفِّقًا مُسدِّدًا لكل خير وصلاح.

اللهم ادفع عنا الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمِحَن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بَطَن.

اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجمعهم على الحق والهدى، اللهم أصلِح أحوال إخواننا في ليبيا واليمن وبلاد الشام وفي كل مكان، اللهم احقِن دماءهم، وآمِن روعاتهم، واحفظ ديارهم، واجمعهم على الحق والهدى.

اللهم انصر المُستضعَفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين، واجمعهم على الحق يا رب العالمين.

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.

اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم اكفِنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار، وشرَّ طوارِق الليل والنهار.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: ٢٠١].

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسِّر أمورنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالنا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم، إنك سميع الدعاء.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

<<  <   >  >>