للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (يا أيها المزمل)]

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل:١ - ٢]، طريقنا إلى تحرير الأقصى قيام الليل، طريقنا إلى إعادة شرع الله قيام الليل؛ لأننا إن لم نستطع أن نجاهد الشهوات والنفوس، فلن نستطيع أن ننتصر على عدونا، أول أمر كان للنبي عليه الصلاة والسلام {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل:٢] مجاهدة، ومثابرة، وطاعة، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم الليل هو ومن معه من الصحابة كان الأمر بعد ذلك بالأمور والتكاليف الشرعية، {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل:٢]، ولذلك وضع البخاري في كتابه الصحيح كتاباً بعنوان: كتاب التهجد.

وهو أول كتاب في المجلد الثالث، لماذا كتاب التهجد؟ لأن قيام الليل شعار الصالحين، ودأب المتقين، ومن ثم كان النبي عليه الصلاة والسلام يثب من على فراشه وثباً ويوقظ أهله، بل ذهب إلى بيت فاطمة ليوقظها بالليل هي وعلياً زوجها قال: (يا علي يا فاطمة لا تزالان نائمان، قوما للصلاة، فقال علي: يا رسول الله إن نفوسنا بيد الله، أخذ بنفسنا الذي يأخذ بنفوس الخلائق، لو شاء الله بعثنا من نومنا، فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يرد عليه وهو يضرب فخذه ويقول: {وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف:٥٤]).

(واستيقظ صلى الله عليه وسلم يوماً وهو يقول: لا إله إلا الله، رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة، من يوقظ صويحبات الحجر)، يعني: زوجات النبي عليه الصلاة والسلام.

وقال: (ويل للعرب من شر قد اقترب، لقد فتح من ردم يأجوج ومأجوج هكذا، وحلق بأصبعه السبابة والإبهام، فقالت زينب بنت جحش: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث).

فأصحاب المعاصي سيتسببون في إغراق السفينة، ولن نتركهم سنأخذ على أيديهم، إذا كثر الخبث وعمت الفاحشة فسينهار المجتمع.

وكان النبي عليه الصلاة والسلام: (يقوم من الليل حتى تفطرت قدماه) أي: تشققت.

وفي البخاري عن حذيفة قال: (صليت بجوار النبي عليه الصلاة والسلام بالليل -دون ترتيب ولا دعوة، وإنما عرضاً- فقرأ البقرة كاملة، فقلت: لعله يركع، فقرأ النساء كاملة، فقلت: لعله يركع، فقرأ آل عمران كاملة، فقلت: لعله يركع، وكان ركوعه نحواً من قيامه، وما مر بآية فيها ثناء إلا وأثنى على الله، ولا بآية فيها ذكر الجنة إلا سأل من فضله، ولا بآية فيها ذكر النار إلا استعاذ بالله من النار) صلى الله عليه وسلم.

وتقول أمنا عائشة: (تفقدت الفراش يوماً فلم أجد النبي صلى الله عليه وسلم بجواري -قام من فراشه دون أن تشعر به الزوجة، هذا دأب الصالحين- فتحسسته بالحجرة فوجدته ساجداً بين يدي ربه وقد ابتلت الأرض من دموعه صلى الله عليه وسلم وهو يناجي ربه قائلاً: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)، وعند البخاري عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه).

انظروا إلى واقعنا أيها الإخوة الكرام في صلاة الفجر فقط، ونريد بعد ذلك أن نحرر أرض الإسلام، وأن نجاهد، وأن نقاتل، هذا كذب في الدعوى، فنحن لم نتحرر من شهوات أنفسنا، ولذلك إخوتي الكرام انظروا إلى حال الصحابة لما نزلت هذه الآية، قاموا مع النبي صلى الله عليه وسلم سنة كاملة، وما نزل النسخ إلا بعد سنة، قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل:٢٠] أي: طلباً للرزق، {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل:٢٠]، هنا نسخ قيام الليل من الوجوب إلى الاستحباب، كما يقول البخاري في صحيحه، وكما هو الرأي الراجح عند العلماء.

أيها الإخوة الكرام! الأحاديث في قيام الليل كثيرة، قال عبد الله بن عمر كان الصحابة بعد الفجر يقصون على النبي صلى الله عليه وسلم رؤياهم فيفسرها ويؤولها لهم، يقول ابن عمر: (وددت لو أني أرى رؤيا حتى أنال ذلك الشرف، فبينما أنا ن

<<  <  ج: ص:  >  >>