للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرق بين الرسول والنبي]

الحمد لله رب العالمين، الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، بيده الخير وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وأشهد أن نبينا ورسولنا وسيدنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.

ثم أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإنكم لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، وإنها جنة أبداً أو نار أبداً.

نواصل الحديث في تفسير سورة المزمل.

قال الله سبحانه: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا * فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا * إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا * إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المزمل:١٥ - ٢٠].

فقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا} [المزمل:١٥] وهو محمد صلى الله عليه وسلم، والرسول من التوجيه والإرسال، وبينه وبين النبوة عموم وخصوص، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً، ويعرف علماء العقيدة الرسول بأنه مبعوث من البشر بعثه الله سبحانه، وأوحى إليه بالبلاغ، وأنزل عليه رسالة وأمره بتبليغها.

ذاك هو الرسول، ولا شك أن هناك فرقاً بين الرسول والنبي بأدلة واضحة من القرآن والسنة، قال الله في وصف موسى عليه السلام: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} [مريم:٥١]، فأثبت له الرسالة، وأثبت له النبوة، وفي حديث البراء بن عازب الذي رواه البخاري في صحيحه، في كتاب الوضوء في باب فضل من بات على وضوء.

أي: من نام على وضوء: أن النبي صلى الله عليه وسلم سن عند النوم أن يضطجع المسلم على يمينه، ثم يقول الدعاء الذي علمنا إياه نبينا صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، رغبة ورهبة إليك، الذي لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فلما وصل البراء إلى هذه الجملة قال: وبرسولك الذي أرسلت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا، قل: وبنبيك) يقول الحافظ ابن حجر: أراد أن يجمع لنفسه صلى الله عليه وسلم بين الوصفين: وصف النبوة ووصف الرسالة؛ لأن هناك رسلاً من غير البشر، وهم الملائكة وليسوا بأنبياء.

وقوله سبحانه: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ} [المزمل:١٥] فالنبي صلى الله عليه وسلم سيشهد على أمته يوم القيامة، وكل نبي سيشهد على أمته، والله سبحانه وتعالى يأتي بالأنبياء جميعاً يوم القيامة ويسألهم عن حالهم مع أممهم، كما قال عز وجل: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء:٤١ -

<<  <  ج: ص:  >  >>