للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حسن الخلق من المخلوق]

أما حسن الخلق مع المخلوق فهذا موضوع يطول، قال الحسن البصري: حسن الخلق هو كف الأذى، وبذل الندى، وطلاقة الوجه.

وكف الأذى: أن تكف أذاك عن المسلمين، عن أعراضهم وأموالهم ودمائهم.

وفي حجة الوداع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم للناس جميعاً: (إن أموالكم وأعراضكم ودماءكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)، هذا هو كف الأذى، فمن منا يكف أذاه عن إخوانه؟ إن كف أذاه عنه في ماله نهش لحمه، وأكل عرضه.

جلس قوم عند أحد الصالحين، فقبل أن يأتيهم بالطعام أخذوا يغتابون أخاً لهم في عدم حضوره، فجاء الرجل، وقال: يا قوم لقد كنا قديماً نأكل الخبز قبل اللحم أما أنتم الآن فبدأتم باللحم قبل الخبز، بدأتم بعرض أخيكم.

وكف الأذى عن أموال المسلمين ألا تنصب، ولا ترتشي، ولا تحتال، ولا تأخذ مالاً بغير حق، كل هذا من كف الأذى.

وأن تكف لسانك عن أعراضهم بالغيبة، وما أدراك ما الغيبة التي نتمضمض بها صباحاً ومساءً أكثر من وضوئنا للصلاة، الغيبة هي: (ذكرك أخاك بما يكره) كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.

يقول أحد السلف: جاهدت نفسي في الغيبة، فقلت: كلما اغتبت أحداً صمت يوماً، فأجهدني الصيام، فقلت: كلما اغتبت تصدقت بدرهم، فدفعني حب المال إلى ترك الغيبة؛ لأنه كلما أخرج درهماً شعر أنه يخرج ما يحبه.

فالشاهد أنه أراد أن يهذب نفسه، أما نحن الآن لا هم لنا، قالوا، قلنا، سمعنا، سمعت، ظنوا وهكذا، بدون بينة ولا دليل، قدح، سب، قذف، تطاول، يا قوم ما شرعت العبادات لذلك، فينبغي كف الأذى في العرض والمال والنفس.

أما بذل الندى، فهو الجود والكرم، أن تبذل النفس والمال والجاه، كما أخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، أن تبذل لأخيك، أن تسير معه في حاجته، أن تكون إلى جواره في مصيبته، أن تأخذ على يده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: يا رسول الله عرفنا كيف ننصره مظلوماً، فيكف ننصره ظالماً؟ قال: أن تأخذ على يده).

أما طلاقة الوجه.

ويا ليتنا نضعها في اعتبارنا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك صدقة).

وقال: (لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)، تجد البعض يقابلك ويعبس في وجهك، كأنه يبغضك أكثر من بغضه لأهل الكتاب، وإن ألقى السلام يعبس في وجهك، ويكشر عن جبهته، وكأن بينك وبينه ثأراً، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم في وجوه الناس، وصدق الله سبحانه إذ يقول: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>