للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب البكاء عند المريض]

قال البخاري رحمه الله: [باب البكاء عند المريض].

البخاري ينوع التبويب، فهنا تارة يبوّب البكاء عند الاحتضار والبكاء عند المريض، ثم أتى بحديث عبد الله بن عمر فقال: [حدثنا أصبغ عن ابن وهب إلى أن قال: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص)].

وفي الحديث مشروعية عيادة المريض، وحينما أذكر سعد بن أبي وقاص أذكر اليوم أن قوات الاحتلال الأمريكي دخلت إلى مسجد سعد بن أبي وقاص وعبثت به، والغريب في الخبر أنه يقول: وألقوا المصاحف على الأرض، وهذا ما يصنعه الكفار بكتاب ربنا سبحانه وتعالى، فالعبث بكتاب الله عز وجل يدل على حقد دفين في قلوبهم، والأمة لا تزال غافلة، نسأل الله العافية.

قال: [(وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم)].

وفي الحديث مشروعية عيادة المريض جماعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم زار سعد بن عبادة في جماعة من أصحابه.

قال: [(فلما دخل عليه وجده في غاشية أهله -أي: في كرب وشدة- فقال: قد قضى؟ قالوا: لا يا رسول الله! فبكى النبي صلى الله عليه وسلم)] وهذا الموضع الثاني لبكاء النبي عليه الصلاة والسلام، فإنه بكى عند موت ابنه إبراهيم وبكى عند مرض سعد بن عبادة.

قال: [(فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم بكوا)] أي: حينما رأوه بكى صلى الله عليه وسلم بكوا، وهذا يسمى عند العلماء بكاء المجاورة، أي: أني رأيتك تبكي فبكيت، وكل دمعة للعين تختلف؛ فدمعة الحزن تختلف عن دمعة الفرح، وتختلف عن دمعة الخوف، وتختلف عن دمعة النفاق، وتختلف عن دمعة المجاملة أو المجاورة، وابن القيم أورد هذه الأنواع من أنواع البكاء، وذُكر لـ شيخ الإسلام أن رجلاً يقع في الصلاة من شدة البكاء، يصلي خلف الإمام فيسمع مثلاً: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر:٨] فيبكي ويقع، قال: ائتوني به وضعوه على حائط، واقرءوا عليه نفس الآيات التي قرئت في الصلاة، فإن وقع فهو صادق، فلما جاءوا به وضعوه على حائط، وقرءوا نفس الآيات فلم يتحرك.

إذاً: هو إنما وقع نفاقاً وليس صادقاً، أعاذنا الله من ذلك، وهذا كما يفعل البعض في الصلاة يبكي، فإذا سألته: لم تبكي؟ قال: تذكرت أبي رحمه الله، وإذا سألت آخر: لم تبكي؟ قال: من بجواري بكى فأبكي لبكائه! ولا يجوز رفع الصوت بالبكاء، ففي مساجد السنة نرى في رمضان العجب، فالبعض ينوح في الصلاة، وهذا مخالف للسنة، فقد كان صلى الله عليه وسلم يبكي دون أن يسمعه أحد، وإنما كان لصدره أزيز كأزيز المرجل، وكان السلف يوارون الدمعة، حتى كان بعضهم إذا غلبته العبرة يقول: ما أشد الزكام، أي: أنه يريد أن يداري أنه بكى من خشية الله، حتى لا يدخله العجب ولا الرياء.

فلا بد أن نراعي هذه النقطة، فلا ترفعوا أصواتكم بالبكاء، ولا حرج أن تبكي لكن ابك دون أن ترفع صوتك بالبكاء.

قال: [(فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم بكوا فقال: ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يُعذّب بهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحم)] يُعذِّب باللسان إن قال شراً، ويرحم إن قال خيراً.

قال صلى الله عليه وسلم: (وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه).

وكان عمر رضي الله عنه يضرب فيه بالعصا ويرمي بالحجارة ويحثي بالتراب.

أي: أن عمر رضي الله عنه كان يمسك بعصا، فمن يبكي بنياحة أو بشق للجيوب كان يضربه بالعصا أو يرميه بالحجارة، أو يحثو على رأسه التراب، وغالب الناس في غالب الأحيان يبكي بشكل غير شرعي، ولذلك نحذر من هذا، ولا سيما النساء.

<<  <  ج: ص:  >  >>