للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب القيام للجنازة]

قال الإمام البخاري: [باب القيام للجنازة].

هناك فرق بين القيام للشيء، والقيام إلى الشيء، والقيام على الشيء، وهذا مهم جداً، وابن تيمية يفرق كما في مجموع الفتاوى، فتجد بعض الناس إذا جاء يسلم عليه أحد الناس يسلم عليه وهو جالس متكئ ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يتمثل الناس له قياماً فليتبوأ مقعده من النار)، وهذا فهم سقيم، فيسلم على العالم ويسلم على الأب بهذه الطريقة وهو جالس، ويفهم أن النص معناه: ألا يقوم لأحد وألا يسلم عليه، فهناك فرق كبير بين القيام للشيء والقيام إلى الشيء والقيام على الشيء.

والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أراد أن يتمثل الناس له قياماً)، والمعنى: أن أجلس على كرسيي هذا وأتلذذ بوقوفك، وحينما تريد أن تجلس أقول: أأمرتك أن تجلس؟ قف.

هذا هو المنهي عنه: أن يقوم الرجل وأنا آمره بالقيام وأنا جالس وإذا أراد أن يجلس أمنعه من الجلوس.

أما إذا جاء من سفر بعيد فهل يجوز أن أقوم له أم لا؟ أقوم له لا بأس، أو دخل شيخ عالم جليل فأقوم من مجلسي لأصافحه، ليس فيها مخالفة أبداً، أو جاء رجل كبير وقدم إلينا لا بأس أن نقوم ونسلم عليه، ففقه الحديث مهم.

قال البخاري: [باب القيام للجنازة: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا الزهري عن سالم عن أبيه عن عامر بن ربيعة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم)].

يعني: تكون وراء ظهوركم أو توضع.

ومعنى الحديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام يأمر من لم يمش مع الجنازة ومرت عليه جنازة وهو جالس من السنة أن يقوم لها، ولذلك البخاري بوب: باب القيام للجنازة.

ثم ذكر حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأى أحدكم جنازة فإن لم يكن ماشياً معها فليقم حتى يخلّفها أو تخلّفه أو توضع من قبل أن تخلفه)].

والمعنى: إن من لم يكن ماشياً مع الجنازة فمن السنة أن يقوم لها، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي وقال: (أليست نفساً؟).

ومعنى ذلك كما قال ابن حجر في الفتح معلقاً: والقيام للجنازة إما لتعظيم الموت -يعني: لعظم مصيبة الموت وتذكر الموت- وإما لعظم الملك الذي نزل بأمر الموت تعظيماً لأمره.

قال البخاري رحمه الله: [عن سعيد المقبري عن أبيه قال: (كنا في جنازة فأخذ أبو هريرة رضي الله عنه بيد مروان فجلسا قبل أن توضع، فجاء أبو سعيد رضي الله عنه فأخذ بيد مروان وهو جالس فقال: قم، فوالله! لقد علم هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن ذلك)].

فلماذا جلس أبو هريرة رغم علمه؟ جلس ليبين أنها سنة وليست على الوجوب وإما أن يكون قد نسي، وهذا وارد، والذاكر حجة على الناسي كما يقول علماء الأصول، لذلك أبو سعيد رضي الله عنه أخذ بيد مروان فقال: (قم، فوالله! لقد علم هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن ذلك)، أي: نهانا أن نجلس قبل أن توضع الجنازة.

وأين توضع: في القبر أم على الأرض؟ الراجح أن المراد توضع على الأرض؛ لأنني سمعت من البعض يقول: قبل أن تدخلها القبر، وهذا موجود في بعض كتب الفقه، لكن الراجح: قبل أن توضع على الأرض.

وفي الحديث: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أبا سعيد رأى أمراً يخالف السنة فذكر الناس به وقام إلى مروان وأخذ بيده وجذبه حتى أقامه، وقال: والله! لقد علم هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن أن نجلس قبل أن توضع الجنازة.

وفي الحديث: مشروعية الجلوس بعد وضع الجنازة على الأرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>