للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب من رجع القهقرى في صلاة أو تقدم لأمر نزل به]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد: قال الإمام البخاري رحمه الله: [باب من رجع القهقرى في صلاته أو تقدم لأمر ينزل به].

البخاري رحمه الله يبين لنا أن العمل في الصلاة يجوز، طالما أنه لصالح الصلاة، ولم يكن كثيراً، وإن كان كثيراً متفرقاً فلا بأس طالما أنه في صالح الصلاة.

قال: (حدثنا بشر بن محمد إلى أن قال: أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن المسلمين بينا هم في الفجر يوم الإثنين، وأبو بكر رضي الله عنه يصلي بهم، ففجأهم النبي صلى الله عليه وسلم قد كشف ستر حجر عائشة رضي الله عنها، فنظر إليهم وهم صفوف فتبسم يضحك؛ فنكص أبو بكر رضي الله عنه على عقبيه، وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة، وهمَّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحاً بالنبي صلى الله عليه وسلم حين رأوه، فأشار بيده: أن أتموا، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر، وتوفي من ذلك اليوم).

سبب ذكر البخاري لهذا الحديث: هو لبيان ما صنع الصديق حينما لاحظ بطرف عينه النبي عليه الصلاة والسلام في يوم الإثنين وهم يصلون الفجر.

وكان أبو بكر يؤم الصحابة في الصلاة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له أن يصلي بالناس في مرض موته، وقال لـ عائشة: (مروا أبا بكر فليصل بالناس).

قال علي بن أبي طالب على المنبر: (هذا رجل ارتضاه النبي صلى الله عليه وسلم لديننا؛ فارتضيناه لدنيانا)، وهذا رد على الرافضة -عليهم من الله ما يستحقون- الذين يسبون الصديق ويقعون فيه، وإني أحذر الشباب الذين يدخلون على شبكات الإنترنت في حوار مع بعض الرافضة أو بعض أهل الكتاب وهم لا يستطيعون الحوار والرد، فيأتون لهم بشبه كثيرة، وهذا أمر خطير؛ لا سيما أن الروافض يملكون من الشبه القوية التي تحتاج إلى أهل علم أثبات، فإن لم تكن من أهل العلم فلا تفتح الباب على نفسك، واترك الأمر لأهل التخصص.

فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة أن يستخلفوا أبا بكر في الصلاة في حال مرضه صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك أجمع الصحابة على خلافته بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ظل الصديق رضي الله عنه يصلي بالناس في مرض النبي عليه الصلاة والسلام، فقالت عائشة: (يا رسول الله! مر عمر؛ فإن أبا بكر رجل أسيف لا يملك دمعه إذا قرأ القرآن بكى) أي: هذا دأبه، وهذه صفته، حينما يقرأ القرآن يبكي، وإذا بكى لا يسمع أحد ممن خلفه قراءته.

فقال عليه الصلاة والسلام: (يا عائشة! مروا أبا بكر فليصل بالناس؛ إنكن صواحب يوسف).

والمعنى: أنها أرادت غير ذلك فهي تعرض بأنه يبكي، ولكن السبب الحقيقي أنها لم ترد لأبيها أن يقوم إماماً بالناس فيموت النبي صلى الله عليه وسلم في إمامته؛ فيربط الناس بين إمامته وبين موت النبي عليه الصلاة والسلام، فأرادت أن ترفع عن أبيها هذا الحرج، فقالت: (مر عمر، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس).

فكان الصديق يصلي بهم أياماً متوالية إلى يوم الإثنين، حتى شعر النبي صلى الله عليه وسلم بخفة في جسده فقام ورفع الستار من حجرته؛ لأن حجرات نساء النبي صلى الله عليه وسلم كانت تطل على المسجد رفع صلى الله عليه وسلم ستراً من حجرته وألقى عليهم نظرة الوداع وهم يصلون في صفوف فتبسم ضاحكاً، كان جل ضحك النبي صلى الله عليه وسلم تبسماً، كما قالت عائشة رضي الله عنها: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى لهواته، إنما كان يتبسم)، والمعنى: أنه ما كان يضحك ويفتح فاه حتى ترى مؤخرة فمه، وإنما كان ضحكه تبسماًَ صلى الله عليه وسلم.

وربما قيل عنه: (فضحك حتى بدت نواجذه).

كيف نجمع بين ضحكه حتى تبدو نواجذه، وبين أنه لم يضحك مستجمعاً؟ نجمع بين ذلك بالقول: بأن أكثر الأحوال لضحكه صلى الله عليه وسلم أنه كان يتبسم حتى ترى نواجذه، ولا يقهقه.

وقد رأى السلف أحد الناس يقهقه، فقال له: علام تقهقه؟ أعلمت موقعك من الجنة أو النار؟ وقد جاء في ترجمة ربعي بن حراش رضي الله عنه أنه أقسم ألا يستجمع ضاحكاً إلا بعد أن يرى مقعده إلى جنة أم إلى نار.

يقول أخوه: فلما جاءه الموت ما زال مبتسماً حتى واريناه التراب.

وكما يقال: من ضحك هنا كثيراً بكى هناك كثيراً، فكثرة الضحك تميت القلب.

ونحن نقول: مسرحية فيها ألف ضحكة.

أي: تضحك حتى تستلقي على قفاك، يتنافسون بكثرة الضحك، والمسرحيات التي تجذب الناس بكثرة الضحك،

<<  <  ج: ص:  >  >>