للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب الجريدة على القبر]

قال البخاري في الباب الواحد والثمانين: [باب الجريدة على القبر:] وذكر حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين يعذبان فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول -وفي رواية- لا يستنزه، وفي رواية: يستبرئ- وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة.

ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، ثم غرس على كل قبر واحدة، فقالوا: يا رسول الله! لم صنعت هذا؟ فقال: لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا).

وهذا الحديث مهم، وهذه خاصية للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز لكل أحد أن يضع جريدة على القبر.

قال الشيخ ابن عثيمين: وضع الجريدة على القبر إساءة ظن بالميت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هذان يعذبان).

فأنت حينما توقن أن الميت يعذب ضع له جريدة، وهل أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ثانياً: النبي صلى الله عليه وسلم لم يضع الجريدة بعد ذلك على أي قبر، والصحابة أيضاً لم يقوموا بوضع جريد على قبورهم ولا التابعين، وإذا دخلنا البقيع لا نجد على قبور الصحابة جريداً، ولا نجد هذا إلا في مصر، والبعض يظن أنها سنة بهذا الحديث، ونقول: هذه خاصية للنبي صلى الله عليه وسلم لدليلين: الدليل الأول: أن الله أطلعه على أهل القبرين فقال: (يعذبان)، وأنت لا تدري حال الميت، فلا يجوز أن تغرس جريدة على قبر؛ لأن هذه خاصية للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الشيخ ابن باز: القول بالخصوصية هو الصواب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يغرس الجريدة إلا على قبور علم تعذيب أهلها، ولم يفعل ذلك على سائر القبور، ولو كانت سنة لفعله للجميع، ولأن الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة لم يفعلوا ذلك، ولو كان مشروعاً لبادروا إليه.

الدليل الثاني: أن البخاري لم يجزم، وإنما قال: [باب الجريدة على القبر].

ورأى ابن عمر رضي الله عنهما فسطاطاً على قبر عبد الرحمن فقال: انزعه يا غلام! فإنما يظله عمله.

وقول النبي عليه الصلاة والسلام: (وما يعذبان في كبير) البعض يفهمه خطأً، فليس معنى ذلك أنهما ليسا من الكبائر، وإنما يعني: أنه من اليسير عليهما أن يتجنباه، وإلا فالنميمة وعدم الاستتار من البول من الكبائر، وهما من أسباب عذاب القبر، وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يقضي حاجته أبعد واستتر عن أعين الناس، فعدم الاستتار من البول يجر إلى عذاب القبر، ولما سأله الصحابة: يا رسول الله! لم صنعت هذا؟ -والصحابة كانوا يسألون عما أشكل عليهم، ويستفسرون عن بعض الأعمال التي لم يكن عندهم علم بها- قال: (لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا).

<<  <  ج: ص:  >  >>