للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر]

قال البخاري: [باب: ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما] {فَأَقْبَرَهُ} [عبس:٢١]، أقبرت الرجل إذا جعلت له قبراً وقبرته: أي دفنته.

يقول عز وجل: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً ?وَأَمْوَاتًا} [المرسلات:٢٥ - ٢٦].

ومعنى الآية: أنهم يكونوا فيها أحياء، ويدفنون فيها أمواتاً، فالأرض تكفيهم في حياتهم وبعد موتهم، فمكان القبر على المعتاد في الأرض، ولكن انظر إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وإلى قبر أبي بكر وعمر وكل قبر الصحابة ستجد أن قبورهم تسوى بالأرض ولا ترتفع إلا لتميز ويعرف أنها قبر، أما الآن فحدث ولا حرج عن قبور المسلمين، قبور من ثلاث طوابق، وقبور بالسيراميك، وقبور بدخلها تكييف، وهذا لن ينجيهم أبداً من سؤال الملكين مهما صنعوا وفعلوا.

جاء من حديث عائشة قالت: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتعذر في مرضه أين أنا اليوم؟ أين أنا غداً؟ استبطاءً ليوم عائشة، فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري، ودفن في بيتي صلى الله عليه وسلم)، وهذا نص على أنه دفن في حجرة عائشة لا كما يقول القائل: إنه دفن في مسجده، فهذا وهم، ولذلك كان يسأل: أين أنا غداً؟ يستعجل يوم عائشة لحبه لها، ولا بأس أن يحب الرجل زوجة بخلاف الأخرى، وكن زوجاته يفهمن ما يريد، فسمحن له وأذنّ له أن يطبب في حجرة عائشة كل امرأة تريد الزوج لنفسها، لكن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم يفعلن ما يستريح إليه، ولذلك في آية التخيير بين الدنيا والآخرة: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٢٩]، ثم خيرهن قبل ذلك بعطاء الدنيا.

أقول: من حديث أمنا عائشة رضي الله عنها قال صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً) وفي هذا دليل واضح على عدم جواز ارتفاع القبور، ودليل أوضح على عدم اتخاذ القبور في المساجد، ولا يحدث هذا إلا في البلاد التي يعم فيها الجهل، أما البلاد التي فيها التوحيد فلا تجده، فالمساجد لا تجتمع مع القبور أبداً، (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، إني أنهاكم عن ذلك، لا تتخذوا القبور مساجد)، رغم وضوح الأدلة إلا أن البعض يقول بغير ذلك، وهم ينتسبون إلى العلم ويسألون: ما رأيكم في مقام الحسين في قبره؟ فيجيبون: لا بأس الصلاة فيه صحيحة! وهو يعلم ويكتم العلم.

يا عبد الله! إن قلنا هذا قالوا: متشددون رجعيون متحجرون يبغضون أهل البيت.

يا أيها الناس! هذا دين الله، وهذا قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

ثم من طريق أمنا عائشة أنه حدثه: أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مرتفعاً، يقول: لما سقط عليهم الحائط في زمان الوليد بن عبد الملك أخذوا في بنائه فبدت لهم قدم.

يعني: لما أخذوا في بناء المسجد النبوي وإعادة توسعته حفروا فخرجت لهم قدم من الأموات، إما قدم النبي صلى الله عليه وسلم وإما أبو بكر أو عمر ففزعوا، وذلك في زمن الوليد بن عبد الملك، [فبدت لهم قدم ففزعوا وظنوا أنها قدم النبي صلى الله عليه وسلم، فما وجدوا أحداً يعلم ذلك حتى قال لهم عروة: لا والله ما هي قدم النبي صلى الله عليه وسلم إن هي إلا قدم عمر رضي الله عنه].

عند ذلك اطمئنوا، لكن الكلام يشير إلى أنهم لم يبرزوا القبور، وإنما كانت مستوية في الأرض حيث كانت، فخرجت القدم، ومعنى ذلك: أنهم لم يحفروا مكاناً مرتفعاً إنما كانت على سطح الأرض، والآن حدث ولا حرج عما يصنعه المسلمون اليوم في القبور من بدع محدثة.

يقول: من طريق عائشة: [أنها أوصت عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: لا تدفني معهم وادفني مع صواحبي بالبقيع، لا أزكى به أبداً].

أي: أن أمنا عائشة رضي الله عنها تقول لـ عبد الله بن الزبير هنا: لا تدفني مع أبي بكر وعمر والنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ادفني مع زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم في البقيع، (لا أزكى به أبداً) يعني: لا أزكى بهذا الموضع، لكن الحديث فيه إشكال واضح، وهو: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل إلى أمنا عائشة وأخبرها أنه يريد أن يدفن بجوار النبي عليه الصلاة والسلام، فلما جاء عبد الله بن عمر وأخبرها الخبر وافق

<<  <  ج: ص:  >  >>