للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب اختيار الموضوع]

لقد اخترت هذا الموضوع لأسباب، وهي: أولاً: لمكانة العلماء في الإسلام، فالمتتبع للآيات القرآنية وللنصوص النبوية يجد أنها بينت أن للعلماء منزلة، فلقد أثنى الله سبحانه وتعالى على العلماء في كتابه، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم منزلة العلماء، ولذلك قالوا: إن أعراض العلماء حفرة من حفر النار، فعندما تنتهك عرض العالم وتنهشه فإنما تقذف بنفسك في حفرة من حفر النار.

ثانياً: لتساهل الكثير في تلك الظاهرة.

ثالثاً: إن بعض طلاب العلم لا يدركون خطورة هذه القضية.

رابعاً: عدم الفهم الصحيح لتلك القضية، فهم يخلطون بين بيان الحق وبين جرح العالم.

وقد سألني أخ فاضل في الباب أنه سمع لشيخ أشرطته منتشرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على لسان الله -هذا في الشريط- فأثبت لله صفة اللسان، وهذا لا يجوز، وهو يخالف منهج أهل السنة، وأراد أن يقول اسم الشيخ، فقلت: لا تقل، إنما نبين الحق، ثم نتصل بالشيخ ونبين له أن هناك خطأ في الشريط الذي يحمل هذا العنوان، فإما أن تصححه، وإما أن تسحب الشريط من السوق، وإما أن تتصل بالشركة التي سوقته وتصحح هذا الخطأ، وإما أن تعتلي المنبر وتقول: هذه زلة لسان، ولاسيما أن هذا الداعية يعرف بأنه سلفي العقيدة، فلما تحدثنا مع بعض الإخوان من العلماء قالوا: لا يمكن أن يكون قد قصدها، وإنما هي سبق لسان، وبعض الناس يأخذ هذا السبق ويشهر به، ثم يحذر من اقتناء أشرطته، ويقول: إن هذا الرجل ليس على منهج السلف، وقد خرج عن الطريق، نعم أخطأ لا شك، ومن منا لم يخطئ؟ ولكن هل تعمد الخطأ؟ وهل روجع فيه؟ وهناك الآن من يلتمس هذه الأخطاء وينفخ فيها ويهولها، وبسبب هذا المنهج ضاع الكثير، فيقول مثلاً: الحافظ ابن حجر مؤول لبعض الصفات، وهذا صحيح، وفي شرحه فتح الباري أول بعض الصفات، وعلق على تأويله شيخنا العلامة ابن باز رحمه الله على الهامش، وليس معنى ذلك أنني لا أقتني فتح الباري بحجة أن الحافظ مؤول، أو شرح مسلم للإمام النووي، أو بعض العلماء الذين زلوا في بعض المسائل، وبعض الناس يحذر منهم، فالمفروض أن الحكمة ضالة المؤمن، وحينما أستشهد بقول صحيح وهو لأهل البدع وموافق لمنهج السلف أقول في الهامش: وصاحب هذا القول أشعري المذهب، حاد عن الصواب في كذا، أو وهو مرجئ في مسألة كذا، غفر الله له.

فالنقل يكون مع التبيين، وعندما أقول لطلبتي: لا تقرأ لهذا ولا لهذا ولا تسمع لهذا فمن نسمع؟ فهؤلاء علماء الأمة وهم يعدون على أصابع اليد الواحدة، فهذا المنهج ضيع علينا الكثير والكثير.

وقد سألني بعض الإخوة: ما تقول في الشيخ فلان؟ قلت: رجل يبلغ دعوة الله، إن أخطأ بين خطؤه دون تجريح.

وهناك مدرسة تعظم الرجال، وتأخذ أقوال علمائها مسلمة، وتعلقها على الجدران، قال فلان كذا، وتقدس أقواله، وإذا تكلم أحد على أقوالهم تقوم الدنيا ولا تقعد، فهم يعظمون الرجال، ومنهج أهل السنة أنهم لا يعرفون الحق بالرجال، وإنما يعرفون الرجال بالحق.

هذه الأسباب التي دفعتني لاختيار هذا الموضوع.