للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استضعاف فرعون لبني إسرائيل وخروجهم من مصر مع موسى عليه السلام]

عاش بنو إسرائيل على هذا النحو إلى أن ذهب الملك وجاء بعده فرعون، وهو لقب لحاكم مصر، فأذاقهم سوء العذاب، وجعلهم عبيده، وسخّرهم في خدمة البيوت، وأذلّهم ذُلاً ما بعده ذُل، حتى أنهم كانوا في مصر يُسمونهم بالعبيد، يقول موسى لفرعون: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء:٢٢]، يعني: جعلهم عبيداً بعد حياة التمكين والرفعة، وهذه سنة الله في الذي كفر بنعمته، فالله يعطي النعم ويسبغها على العباد ليشكروه لا ليكفروه، لكن شأن هؤلاء القوم أنهم كفروا بنعم الله عز وجل.

يقول ربنا سبحانه -وهو موضوع اللقاء-: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:٥٤]، تبدأ قصة عجل بني إسرائيل بعد أن خرجوا من مصر، من ذُل فرعون واستهانته، وبعد أن أرسل الله إليهم موسى عليه السلام، فأخذهم وخرج بهم من مصر في معجزة سجلها القرآن: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} [البقرة:٤٩]، {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} [البقرة:٥٠]، وفي سورة الشعراء: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} [الشعراء:٥٢]، والمراد (بعبادي): بنو إسرائيل، والإسراء هو: السير ليلاً، فخرج بهم موسى بسحر وفرعون نائم، ثم قال تعالى: {إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} [الشعراء:٥٢]، فاستيقظ فرعون في الصباح فوجد البلاد خالية من بني إسرائيل، إذاً نستعبد من؟ ومن سيخدمنا؟ {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ} [طه:٧٨]، وقال تعالى: {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} [الشعراء:٦٠]، أي في الصباح بعد شروق الشمس، ثم قال تعالى: {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} [الشعراء:٥٣]، فالفراعنة في كل الأزمنة والعصور لغتهم واحدة، وقاسمهم المشترك واحد، فأرسل فرعون إلى زبانيته وبطانته: أن اجمعوا الجنود، واجمعوا القوة، ثم قام فيهم خطيباً: {إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} [الشعراء:٥٤]، أي: فئة قليلة خرجت عن الشرعية، وحفنة تريد أن تشرّع للأمة شرعاً غير شرع الأسياد، غير مشروع الشرق الأوسط الكبير، أتدرون أن أمريكا تعد قرآناً جديداً للأمة يسمى: (الفرقان الأمريكي) وهو باللغة اللاتينية، إنهم يريدون أن يبدلوا كلام الله، والأمة لا زالت في حالة سبات وغفلة، نسأل الله العافية.

ثم قال تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} [الشعراء:٥٥ - ٥٦].

ويقول ربنا سبحانه: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ} [الشعراء:٦٣]، فأحاط بهم فرعون وجنوده من كل جانب، يميناً ويساراً وخلفاً، وأيقنوا بالهلاك، فجنود فرعون عن يمينهم وعن يسارهم ومن خلفهم، والبحر من أمامهم، قال تعالى حاكياً عنهم: {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:٦١]، أي: سيدركنا فرعون وجنوده، وهنا يقول الواثق بربه: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:٦٢]، إيمان وثقة ويقين بنصر الله، وهذا هو الذي ينقص الأمة اليوم، إذ تعلم أن ربها لا يغفل ولا ينام سبحانه، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:٣٠]، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال:٣٦]، شرق أوسط كبير، شرق أوسط صغير، أنفقوا الملايين بل البلايين، {فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:٣٦]، فهذا الدين منتصر بنا أو بغيرنا، لكن مصيبتنا فيمن يتحدثون بألسنتنا، فيمن ينتسبون إلى جلدتنا، واسمع ولا حرج: استضاف مقدم برنامج ديني أستاذة في جامعة الأزهر وسألها: ما رأيُكِ في البنطال للمرأة؟ قالت: هو أستر لها من الحجاب ولا بأس به؛ لأنه ييسر لها الحركة! وأخرى تسأل: ما رأيكِ في المساحيق للمرأة؟ فتقول: لا بأس أن تضع المسحوق الخفيف، و (البرفانات) لتخرج بها، والسجائر غير محرّمة، ثم الاحتفال بشم النسيم جائز، وهم ينفخون فيها ويقولون لها: مفتية العصر! لا إله إلا الله، سكت دهراً ونطق كفراً، {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} [النمل:١٨]، تتقدم بالفتوى على سلف الأمة، وتظن أنها تحسن صنعاً.

وحين دخلت المسجد أعطاني أخ ورقة فقرأت فيها: أن عدم قراءة الفاتحة في الصلاة لا يبطلها! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من لم يقرأ بفات