للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أقسام الشفاعة في الدنيا]

شفاعة الدنيا تنقسم إلى قسمين: شفاعة مقبولة مأمور بها، وشفاعة مردودة محرمة.

فأما الشفاعة المقبولة فهي: أن تشفع لنصرة مظلوم على ظالم، أو أن تشفع لإيصال حق لصاحبه، أو أن تشفع لقضاء مصلحة لأخيك المسلم، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (اشفعوا تؤجروا).

ويقول الله: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [النساء:٨٥].

وأما الشفاعة المردودة فهي الشفاعة لتعطيل حد من حدود الله، أو لنصرة ظالم على مظلوم، وقد حاول ذلك أسامة رضي الله عنه يوم أن جاء يشفع للمرأة التي سرقت فقال: يا رسول الله! المرأة في مجتمعها لها حسب ونسب فلا تقم عليها الحد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟! والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها).

فهذه شفاعة مردودة، ولذلك يقول ربنا: {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} [النساء:٨٥].

وفي البخاري أن مغيثاً كان متزوجاً من بريرة، فأعتقتها السيدة عائشة، فأصبحت حرة لها أن تختار إما أن تظل مع زوجها وإما أن تخلع نفسها منه، فخلعت نفسها، وكان مغيث يحبها فكان يبكي خلفها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعمه العباس: (ألا تعجب يا عم! من حب مغيث لـ بريرة ومن بغض بريرة لـ مغيث)، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بريرة! زوجك مغيث عودي إليه، قالت: يا رسول الله! أتشفع أم تأمر؟ قال: بل أشفع، قالت: إذاً: أنا لا أريده يا رسول الله!).

ففرقت المرأة بين الشفاعة والأمر، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:٣٦].

فإذا أمرت امرأة بالحجاب أو الرجل بإعفاء اللحية فليس لهما إلا أن يقولا: سمعنا وأطعنا، وينفذان الأمر دون مناقشة أو معرفة العلة.

يقول عمر للحجر الأسود: والله إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك.

فاتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، كما قال ابن مسعود.